المجموعة القصصية "حاول مرة أخرى"، للكاتبة الإماراتية ميرة المنصوري، الصادرة عن دار الفارابي للنشر والتوزيع ، نقرأ من أجواء هذه القصص: " لاحظت التغيرات الجديدة عليه، بدأ صوته ينخفض كلما تحدث في الهات
أنت هنا
قراءة كتاب حاول مرة أخرى
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
أخذت وفاء تتساءل بينها وبين نفسها كيف هانت العشرة وهذه السنون؟! كيف؟؟ كيف ذهبت حياتها معه كأنها لم تكن؟! أخذت تسأل نفسها لماذا أنا حزينة ومن يحزن على زوج مثله لقد اشتريته وباعني وصبرت عليه وهجرني وحفظته في نفسي وماله وخانني، وعانيت منه ومن سوء أخلاقه ما عانيت، من شتم وإهانة وبخل، لم يغفر لي حسن عشرتي شيئاً عنده، حتى أولادي الذين ملأت بهم المكان لم يشفعوا لي عنده، إن كان ضاع المعروف عنده فعند الله لا يضيع إن شاء الله، إنه من شدة بخله حرمني حتى من لقب زوجة، لم أشعر يوماً أنه زوج مثل بقية الأزواج الذين يدللون زوجاتهم ويهتمون بأمور أولادهم، لقد عشت معه كل هذه السنين وأنا أريد رضاه، وقد حرمت نفسي مداراة له، من اللباس والعطور المميزة والبخور الفواح، والأغطية باهظة الثمن، حتى ملابسي الداخلية كانت ممزقة وأقوم بترقيعها حتى لا أطلب منه شيئاً، كان كثير الشكوى إلي، ويقول إنكم ترهقونني بطلباتكم التي لا تنقطع، كنت أخجل منه ومن كلامه القاسي لنا ماذا أفعل به، قلت لنفسي يجب أن أصبر لأجل أولادي وسمعتي وسمعت أهلي، فالإنسان البخيل لا يغيره شيء وينتقل ماله الذي بخل به إلى غيره، كثيراً ما بخل وشح على نفسه وأولاده.
كان ساعي البريد مازال ينتظر توقيع الورقة قلت بصوت عالٍ: إلى غير رجعة إن شاء الله ( أقصد بها زوجي أو من كان زوجي ) دموعي ثمينة فليست لمثله، قلت للساعي الذي ملّ الانتظار: وما جدوى توقيعي فلقد عقد هو وطلق هو، وهدم ما بنيناه هو، وقعت الورقة بثقة وذهول، شعرت بالذل والخزي والمهانة... لماذا أنا مصرة على عدم توقيعها!! فلأوقعها وليذهب إلى الجحيم، لماذا أنا حزينة وهل كنت السبب في ما حدث؟ وماذا سأخسر؟ لقد خسرت عمري مع هذا النذل، وماذا سأخسر أيضاً؟ إنه داء خبيث يجب استئصاله بلا حزن، بلا دموع بعد اليوم.
أكملت وفاء حكايتها، سألتها متعجباً هل طلقك بلا سبب، قالت بعد أن أقسمت بالله، لقد طلقني بلا سبب، ثم أكملت لقد استغل حصوله على المسكن الشعبي، فبدلاً من أن يكون من نصيبنا بعد هذه السنين الطويلة من الصبر والانتظار طلقني ليتزوج الرابعة ويضعها فيه وينعم معها بالمتعة والراحة، ونحن لنذهب إلى الشارع فلسنا في مخطط أولوياته ولا حتى في اهتماماته، تصور يا سيد خلفان (المحامي) لقد رماني في الشارع أنا وهم، إن ما أحزنني أنه لم يكلف نفسه ليذرف دمعة حزن علينا. لم يهتم بأمر أبنائه، ليته وفّر المسكن وأراحنا من التشرد واستجداء الناس، ليته كان فقيراً لسألت الناس أن يحسنوا إلينا ويتصدقوا علينا بأموالهم، ولكنه رجل مقتدر يملك من الأموال ما يملك ولو كان لا يملك فكيف تزوج؟ وأقام حفلة العرس التي كلفته الأموال الكثيرة ، كيف اشترى سيارة لعروسه الجديدة ووضع لها الخادمة والسائق، ونحن عشنا معه سنوات من الحرمان والفقر، وكلما طلبنا منه نقوداً صاح بأعلى صوته أنه لا يملك، ولو كنت أملك المال لكففت نفسي عنه وعن غيره من الناس الذين قد يعطونك وقد يسمعونك من الكلام القاسي ما ينكسر منه الخاطر وتدمع له العين.
لقد تخلى حسين عني وعن أولاده في ظروف جد قاسية، ظلم أبناءه، لقد حرمهم الاستقرار الأسري ليلبي حاجاته وشهواته، كان من الواجب عليه أن يراعيهم ويسد حاجاتهم من الملبس والمأكل والمسكن، إنه بمجرد أن طلقني طلق أبناءه معي، وأنكر مسؤوليته والتزاماته تجاههم، إن كان قد كره الحياة معي فلا ضير، ولكن ماذا سأفعل بأولاده، أليسوا أولاده؟؟ وما زاد الأمر سوءاً أنني بنت عرب وأراعي القيل والقال، فما زلنا يا سيد خلفان في مجتمع شرقي يراعي الأعراف والتقاليد، وحتى إن رفعت عليه قضية من أجل السكن والنفقة فمن أين سآتي بنقود المحامي؟؟ ومن سيعيلنا حتى تنتهي هذه المحاكمات التي قد تستغرق شهوراً وسنوات ، أرجوك يا سيد خلفان انصحني فأنا بحاجة ماسة لقشة أتعلق بها قبل أن أغرق في الهموم والأحزان.
قلت لوفاء أن تصبر حتى أرفع قضيتها إلى من ينظر فيها ويساعدها لعل الله يجد لها من هذا الضيق مخرجاً. بعد خروج وفاء رفعت قضيتها إلى من يهمه الأمر. استدعي زوجها وتم استجوابه، والتحقيق معه في ملابسات القضية، كان حسين يرتجف من الخوف وقام المسؤول بإهانته على فعلته الشائنة وكيف استطاع التلاعب على الدولة باتباع الطرق الملتوية لتحقيق مآربه الشخصية، صرخ المسؤول في وجهه لماذا ترتجف؟ خائف؟ ممن تخاف؟ مني؟! ألم تخف من الله؟؟ ألم تخف من رب العزة؟!
انتهت قضية وفاء بعد أن تسلمت المنزل الجديد وزرعت فيه النخيل والأشجار وأتت باللعب التي تمناها أبناؤها وكانوا يحلمون بها، ليلاً ونهاراً، لكن القصة لم تنتهي، ففي الصباح الباكر فوجئت أثناء دخولي المكتب بالهاتف يرن في إصرار وتحدّ أجبت: آلو: وفاء: آلو أنا وفاء، عرفت صوتها الساحر، قلت لنفسي من يستطيع أن ينسى هذا الصوت الجميل. خلفان: أهلاً أهلاً يا وفاء ما هذا النشاط، هل كل شيء على ما يرام؟ وفاء بصوت حزين: نعم كل شيء على ما يرام إلا أنني لم أنم منذ البارحة. خلفان في دهشة: ولماذا؟ وفاء: لقد جاء حسين ليلة البارحة محملاً بالهدايا والنقود لي ولأولاده. خلفان: وماذا بعد، لم يفعل إلا كل خير. ثم تقول وفاء بتلعثم وخجل: إنه يريد أن يرجعني إلى عصمته، ثم تستطرد في الحديث: لقد قبّل رأسي وقدمي، وطلب منى «السموحة». خلفان: هذا القرار قرارك؟ شعرت وفاء بالإحراج ثم أكملت: أشكرك يا خلفان على موقفك النبيل معي، ولولا الله وجهودك المخلصة لما انتهت هذه المشكلة. أجبتها بفرح وبصدق: عفواً يا وفاء، أنا لم أفعل إلا الواجب، وأتمنى لك حياة سعيدة. قالت: مع السلامة. وضعت سماعة الهاتف، وأنا أشعر بالقهر والغيظ، وبالنيران تهز كياني، كيف ستعود إلى هذا الرجل الجبان الوغد، الخالي من المروءة، كيف ستثق به؟؟ كيف ستعيش معه بلا خوف وبلا قلق؟ كيف ستحبه وتخلص له؟ سبحان الله مقلب القلوب! كيف استطاعت أن تعود إليه بعد محاكمات استمرت ثلاث سنوات من أجل النفقة والمسكن لقد هجرها..... وخانها.....