قراءة كتاب ليـل آخــر

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ليـل آخــر

ليـل آخــر

تحتوي مجموعة "ليل آخر" على واحدة وأربعين قصة، تنوعت ما بين القصة القصيرة والقصة القصيرة جدا، دارت معظم أجوائها ـ كما تشي عنواينها ـ ما بين العتمة والجوع والبكاء والغفوة والإغفاءة والدمعات والضجيج وسوء الفهم والخطى العارية والنداءات والدوائر والليالي والظلال

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 9
مــــرآة
 
وجدتُ نفسي أبدّل برنامجي اليومي وأنزل من الحافلة لأتجه دون تخطيط صوبَ باب الجامعة الرئيس، الجامعة التي غادرتُها منذ ما يزيد عن عشرين عاما مرّت مثل زوبعة، رجوتُ الحارس الذي سألني عن هويتي الجامعية باستغراب ظاهر أن يسمح لي بالدخول لأني كما لفّقتُ بلحظة ذكاء طارئة أود مفاجأة زميلة سابقة لي تعمل في قسم سكرتاريا اللغة الإنجليزية بزيارة! ما إنْ دخلتُ الشارع العريض المسيّج بأشجار السرو والذي يظهر على شماله مبنى رئاسة الجامعة، وعلى يمينه المكتبة بلون قرميدها القرمزي المميز حتى تدافعت ظلال تلك المرحلة ففي كل بقعة ذكرى، وتصاعد الحنين، كدتُ أبكي متحسراً على تلك الأيام، أيام الدراسة حيث لا هم ولا شاغل إلا "الفاينل" وكيفية تمضية أوقات تضجُّ شباباً، أتلفّت حولي لا أرى غير وجوه فتية غريبة، ضحكات تفرقع ببهجة صافية لم تكدرها شوائبُ الحياة، لا يلتفت إليّ أحد، فكرتُ أن اختار مقعداً بموقع استراتيجي وأراقب، لكن سأبدو حينها وحيداً وغريباً فقررتُ أن أتجوّل علّي استعيدُ بعض ألق الجو والإحساس، أنظر لكل شيء حولي، سرتُ وبدأ يتلبسني إحساس عميقٌ بالفرح والارتياح، كنتُ أدركُ بأنّه مزيف، لكني تابعتُ، أحسستني أعودُ طالباً تمنيتُ لو أحضن دفتر محاضرات ويسلّم علي أحدٌ أيّ أحدٍ أعرفه أو لا أعرفه، ونجلس في الكافتيريا نتحدث بأي كلام ونضحك لأبسط سبب ونتصيّد الجميلات، تصطدم نظراتي بمرآة مثبتة على الجدار داخل الكلية، لم أستطع تجاوزها، أنظر لهيئتي... وجهي فقدَ نضارته وتسللتْ إليه خطوطُ الزمن وبانت تفاصيلُ التغضنات التي تواصل غزوها، دققتُ أكثر، ثمة كرش يبرز بوضوح، لا بد أنّ المرآة مخطئة، ألم تستطع مجاملتي قليلاً؟ أحسستُها تقذف بي، ابتعدتُ عنها وأسرعتُ السير كأنّها تتبعني بنظرة ثاقبة لا ترحم، وجدتُ نفسي أجري كأني أهرب من عدوٍ غير منظور، أصطدمُ بشاب صدمة قوية تهتزُ كفه الممسكة بكأس ويتراشق السائل الحار عليه، أكرر الاعتذار بصورة متلاحقة، لاحظتُ بأنّه يشبهني كثيراً عندما كنت في مثل سنه، عجبتُ من تقبّله الأمر بكثير من الود: لا بأس! لا بأس! ويضيف بحزن: لا ترهق نفسك يا صديقي فهو أسرع منك على كل حال!
 
قبلَ أن يغيبَ في الزّحام...!

الصفحات