كتاب "الحياة الروحية في الإسلام - مفهومها و أسسها في الكتاب والسنة"، تأليف الأمام يوسف القرضاوي، يقول في مقدمة كتابه:
أنت هنا
قراءة كتاب الحياة الروحية في الإسلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الحياة الروحية في الإسلام
الأساس الاعتقادي الثاني : الإيمان بالآخرة
ثم يأتي الأصل الثاني ، وهو الإيمان بالآخرة ، اليقين بالآخرة ، كما وصف الله المتقين والمحسنين في كتابه ، بأنهم بالآخرة هم يوقنون ، فقال في وصف المتقين :( وَالَّذِينَ يُؤْمِنُونَ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْكَ وَمَا أُنْزِلَ مِنْ قَبْلِكَ وَبِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ ((البقرة:4)، وقال في وصف المحسنين : ( الَّذِينَ يُقِيمُونَ الصَّلَاةَ وَيُؤْتُونَ الزَّكَاةَ وَهُمْ بِالْآخِرَةِ هُمْ يُوقِنُونَ) (لقمان:4)، اليقين بالآخرة : أن المرجع إلى الله ، أن الموت ليس نهاية المطاف ولا ختام القصة ، وأن الأمر ليس كما قال الدهريون من قبل : إن هي إلا أرحام تدفع ، وأرض تبلع ، وما يهلكنا إلا الدهر .
أهذه هي قصة الحياة؟! يسرق السارق ، وينهب الناهب ، ويظلم الظالم ، ويقتل القاتل ، ويطغى الجبَّار ، ويغتال القوي الضعيف ، ثم ينهدم سُرَادِق الحياة ولا يأخـذ الإنسـان حقَّه ؟ ! ولا يدرك المحسن جزاء إحسانه؟! ولا تنال المجرمَ يدُ العدالة؟! لا بد من دار يأخذ كلُّ امرئ فيها جـزاءه ، وصـدق الله تعـالـى : ( وَمَا خَلَقْنَا السَّمَاءَ وَالْأَرْضَ وَمَا بَيْنَهُمَا بَاطِلًا ذَلِكَ ظَنُّ الَّذِينَ كَفَرُوا فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ كَفَرُوا مِنَ النَّارِ (27) أَمْ نَجْعَلُ الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ كَالْمُفْسِدِينَ فِي الْأَرْضِ أَمْ نَجْعَلُ الْمُتَّقِينَ كَالْفُجَّارِ( (ص:27،28)، هذا هو الباطل الذييتنزَّهالله عنه ، وهذا هو العبث الذي لا يُقبل في حقِّ الألوهية ، ( أَفَحَسِبْتُمْ أَنَّمَا خَلَقْنَاكُمْ عَبَثًا وَأَنَّكُمْ إِلَيْنَا لَا تُرْجَعُونَ (115) فَتَعَالَى اللَّهُ الْمَلِكُ الْحَقُّ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ رَبُّ الْعَرْشِ الْكَرِيمِ ) (المؤمنون:115،116).
هذا هو الأصل الثاني ، اليقين بالآخرة ، أن هذه الدار ليست كلَّ شيء ، وأن الموت ما هو إلا نُقْلة إلى دار أخرى ، كما قال عمر ابن عبد العزيز : إنكم خُلِقتم للأبد ، وإنما تُنقَلون بالموت من دار إلى دار+(4).
وكما قال الشاعر الصالح(5) :
وما الموت إلا رحلة غير أنـها من المنزل الفاني إلى المنزل الباقي
الموت ليس فناء صِِرْفا ، وليس عدما محضا ، ولو كان عدما محضا لم يُخْلق . وقد سمعنا الله تعالى يقول : ( الَّذِي خَلَقَ الْمَوْتَ وَالْحَيَاةَ لِيَبْلُوَكُمْ أَيُّكُمْ أَحْسَنُ عَمَلًا ۚ وَهُوَ الْعَزِيزُ الْغَفُورُ ) (الملك:2)، هذا هو الأصل الثاني .
الأساس الاعتقادي الثالث : الإيمان بالغيب
والأصل الثالث هو الإيمان بالغيب عموما ، الإيمان بالغيب ، أن وراء هذا العالم المنظور عالما غير منظور ، غير محسوس ، ليست المُحسَّات هي كلَّ شيء ، كلا ، إن عالمنا المادي كما أثبت العلم الحديث لا نرى فيه إلا ثلاثة في المائة ، وسبعـة وتسعـون لا تُبْصـَـر ولا تُـرَى ، وإلـى ذلك يشـير القـرآن الكـريم بقـوله : ( فَلَا أُقْسِمُ بِمَا تُبْصِرُونَ (38) وَمَا لَا تُبْصِرُونَ ) (الحاقة:38،39)، وما لا نبصره أكثر بكثير مما نبصره ، الأعماق السوداء في هذا الكون لا نعرفها ، إذا كنا لا نعرف هذا العالم المادي ، فما بالكم بعوالم أُخَر ، لا نعرف عنها شيئا . هناك الغيْبيَّات .