كتاب "الحياة الروحية في الإسلام - مفهومها و أسسها في الكتاب والسنة"، تأليف الأمام يوسف القرضاوي، يقول في مقدمة كتابه:
أنت هنا
قراءة كتاب الحياة الروحية في الإسلام
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الحياة الروحية في الإسلام
الماديون أصحاب طفولة إنسانية
الماديون الغارقون في الحياة المادية ينكرون الغيبيات ، ويُسمُّون المؤمنين ، أصحاب العقلية الغيبية ! سخرية منهم . والواقع أن الذين يقفون عند حدود المُحسَّات ، إنما هم أصحاب طفولة إنسانية ، الطفل هو الذي يقف عند الحسِّ ، ولا يعرف إلا ما يقع عليه سمعه وبصره ، وما تدركه حواسه ، فإذا رشد أدرك أن وراء الماديات معنويات ، وأن وراء المحسوسات معقولات ، فهؤلاء لم يبلغوا الرشد بعد .
هناك غيب لا بد من الإيمان به ، ومن هذا الغيب الذي لا بد من الإيمان به ، أن نؤمن أن لله ملائكة ، وأن لله وحيا ، وأن لله كتبا ، وأن لله رسلا ، الله قادر على أن يُسمِعهم ، وأن يُكلِّمهم ، حتى يُبلِّغوا رسالته إلى الناس . إن الذين ينكرون الوحي ، ينكرون قدرة الله على أن يكلِّم الإنسان ، وينكرون موهبة الإنسان ، بأنه قادر بما وهبه الله ، أن يتَّصل بالسماء ، وأن يسمـع من الله ، أو من ملائكة الله . إن المسلم لا يصح إسلامه ما لم يؤمن بكلِّ كتاب أنزل ، وبكلِّ نبي أرسل ، كما قال تعالى : (آمَنَ الرَّسُولُ بِمَا أُنْزِلَ إِلَيْهِ مِنْ رَبِّهِ وَالْمُؤْمِنُونَ ۚ كُلٌّ آمَنَ بِاللَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَكُتُبِهِ وَرُسُلِهِ لَا نُفَرِّقُ بَيْنَ أَحَدٍ مِنْ رُسُلِهِ ۚ وَقَالُوا سَمِعْنَا وَأَطَعْنَا ۖ غُفْرَانَكَ رَبَّنَا وَإِلَيْكَ الْمَصِيرُ( (البقرة 285).
الإيمان بحقيقة الروح الإنساني
ومن هذا الإيمان بالغيب : الإيمان بالرُّوح الإنساني ، أن الإنسان ليس هو هذا الغلاف الطيني ، الإنسان في حقيقته هو ذلك الكائن الواعي داخله ، هو تلك النفحة الربانية التي أشار إليها القرآن في خلق آدم ، فقد خلق الله آدم من طين ، أو من تراب ، أو من صلصال من حمأ مسنون ، ولكن هذا هو الغلاف ، هذا هو البيت ، فما الذي يسكن هذا البيت؟ ما الذي يعيش داخل هذا الغلاف؟ إنه ذلك الشيء الذي يُشير إليه قوله تعالى :( فَإِذَا سَوَّيْتُهُ وَنَفَخْتُ فِيهِ مِنْ رُوحِي فَقَعُوا لَهُ سَاجِدِينَ ( (الحجر:29).
من هنا خلق الإنسان خلقا مزدوجا ، فيه عنصر أرضي ، وفيه عنصر سماوي ، فيه عنصر يشدُّه إلى الطين ، إلى أسفل ، وفيه عنصر رباني من الملأ الأعلى ، يجذبه إلى الأفق الأعلى ، وهو في صراع بين هذين العنصرين . والإسلام يسعى إلى أن يوازن بين هذين العنصرين ، ولا يريد أن يطغـى أحدهمـا علـى الآخـر ، فلا بد للطين أن يأخذ حقَّه ، ومن هنا يعمر الإنسان الأرض ، ويأكل من طيِّباتها ، ولا بد للعنصر الرُّوحي ، أو العنصر الرباني أن يأخذ حقَّه ، ومن هنا كُلِّف الإنسان عبادة الله ، ( وَمَا خَلَقْتُ الْجِنَّ وَالْإِنْسَ إِلَّا لِيَعْبُدُونِ( (الذاريات:56)، وهذا هو التوازن الذي جاء به الإسلام .
هذه هي الأُسُس الاعتقادية الثلاثة ، التي تُبنى عليها الحياة الروحية : الإيمان بالله ، الإيمان بالآخرة ، الإيمان بالغيب .