أنت هنا

قراءة كتاب ناصر 67 - شـهادة إسرائيلية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ناصـر 67 .. شـهادة إسـرائيلية

ناصر 67 - شـهادة إسرائيلية

كتاب " ناصـر 67 - شـهادة إسـرائيلية " ، تأليف: د.نبيل راغب ، والذي صدر عن مكتبة مدبولي عام 2010 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
دار النشر: مكتبة مدبولي
الصفحة رقم: 1

مقــــدمة

في 19 فبراير 1970 نشرت صحيفة «لوموند» الفرنسية نصًا لمقابلة أجرتها مع الرئيس جمال عبد الناصر قال فيها :
« لم يكن فى نيتى أبدًا أن أشن حربًا ضد إسرائيل عام 1967 ، والقادة الإسرائيليون يعرفون ذلك جيدًا . لم يكن فى نيتى إغلاق خليج العقبة فى وجه السفن ، فأنا لم أطلب من السيد يوثانت أن يسحب قوات الأمم المتحدة من غزة وشرم الشيخ المشرف على مدخل الخليج ، لكننى طلبت إغلاق مجرد جزء من الحدود الممتدة من رفح إلى إيلات ، إلا أن أمين الأمم المتحدة قرر بناء على نصيحة موظف أمريكى كبير ، سحب جميع قوات الطوارئ الدولية ، ليضعنى فى موقف المجبر على إرسال قوات إلى شرم الشيخ وفرض الحصار . وهكذا وقعنا فى الفخ الذى نصب لنا » .
هذا الفخ الذى تكلم عنه عبد الناصر ، كان مجرد حلقة فى سلسلة طويلة من الفخاخ التى نصبت له منذ توليه مسئولية الحكم فى مصر فى منتصف الخمسينيات . وهى فخاخ تنوعت وتعددت من مؤامرات الاغتيال التقليدى بإطلاق الرصاص أو دس السم أو وضع المتفجرات فى أى مكان يمكن أن يتواجد فيه : السيارة أو الطائرة أو السرادق ، إلى مؤامرات الحصار السياسى لعزله وخنقه من خلال تصفية نفوذه وثقله وقدرته الفائقة على التأثير سواء داخل بلده أو وطنه العربى أو دول عدم الانحياز أو دول العالم الثالث ، بل أن الكاريزما العجيبة التى كان يتمتع بها استطاعت أن تؤثر فى بعض قطاعات المثقفين فى دول الغرب نفسه .
هذه الكاريزما العجيبة كانت مصدر قلق متجدد لكل القوى الامبريالية والاحتكارات الاقتصادية العالمية بكل ضغوطها السياسية والعسكرية . فليس الأمر قاصرًا على إسرائيل وصراعها مع العرب ، إذ أن دورها لم يزد فى المنطقة على دور رأس الحربة المسمومة ، أما جسم الحربة نفسه فيمتد عبر أسواق الأوراق المالية ، وترسانات السلاح ، ودهاليز المخابرات ، ومؤتمرات الدبلوماسيين ، وعصابات المافيا ، ومصالح وصراعات وتيارات لا حصر لها . وكان على عبد الناصر أن يواجه هذا الطوفان الجارف سواء فى صوره العلنية الواضحة أو صوره السرية الخفية . واستمرت هذه المواجهة منذ منتصف الخمسينيات ، مما يدل على يقظة عبد الناصر التى استطاع بها أن يتجاوز هذه السلسلة من المؤامرات التى لم تنقطع والتى كان هدفًا متحركًا بالنسبة إليها ، لابد من إصابته بطريقة أو بأخرى .
وجاءت حرب يونيو 1967 بمثابة الفخ الكبير ذى الأبعاد والأعماق المتعددة التى إذا نجح عبد الناصر فى تجاوز بعد أو عمق فيه ، فإنه لن يستطيع تجاوز الأبعاد والأعماق الأخرى ، كالدور الذى لعبه رالف بانش مساعد يوثانت عندما نصحه بسحب جميع قوات حفظ السلام فى سيناء ليضع عبد الناصر فى مأزق يصعب تجاوزه . وكانت نصحية هذا الموظف الأمريكى الكبير ذى الخبرة الطويلة فى دهاليز الأمم المتحدة هى مجرد ومضة فى رأس جبل الجليد العائم تحت أمواج محيط السياسة الدولية والذى كان يقترب رويدًا رويدًا للاصدام بالسفينة العربية التى طالما أبحرت بقيادة ربانها عبد الناصر وسط أعاصير ودوامات لا تهدأ ، لكن الإعصار الأخير كان من العنف والضراوة بحيث قصد به تحطيم السفينة كلها وليس مجرد القضاء على ربانها .
ولو كان الأمر قاصرًا على العوامل الدولية الخارجية لربما كان فى إمكان عبد الناصر مواجهتها وتجاوزها ، وهو الذى اعتاد التعامل معها بحنكته السياسية منذ أن تولى المسئولية ، لكن تصادف وجود عوامل محلية داخلية ، ظلت تتراكم منذ حرب 1956 إلى أن تفاقمت فى وقت كانت فيه العوامل الـدولية الـخارجية فـى طريقها إلى بلوغ الذروة . ولذلـك كـانت الـمرة الأولـى - والأخيرة - التى حاربت فيها عبد الناصر معركته فى وضع لا يحسد عليه . كان العدو أمامه والبحر خلفه . ولم يدرك أبعاد هذه المأساة إلا مع الساعات الأولى من اندلاع القتال صباح الاثنين الخامس من يونيو 1967 . لكن العجلة القدرية كانت قد دارت وأصبح من المستحيل إيقافها فضلاً عن إرجاعها إلى الوراء ولو للحظة واحدة .
ولعل الصدمة التى أصابت الشعب العربى نتيجة للنكسة ، أن عبد الناصر كان دائمًا فى نظره بمثابة «السوبر مان» الذى يأتى بالأعاجيب التى تذهل الأعداء قبل الأصدقاء ، ويقود أمته من تحد إلى آخر ، بحيث وضعها على خريطة العالم المعاصر بل وفى قلبه ، مما أكسبها ثقلاً وتأثيرًا لم تحصل على مثلهما من قبل . ونسى الشعب العربى أن عبد الناصر بشر . فهو زعيم أو قائد مثل كل الزعماء والقادة الذين يتخذون قراراتهم المصيرية بناء على التقارير الواردة إليهم . وهذه التقارير يكتبها بشر أيضًا قد يفتقرون إلى الموضوعية أو الرؤية الشاملة أو النية الخالصة نتيجة لاعتبارات عديدة ، ولذلك فإن نسبة الصواب أو الخطأ فى اتخاذ القرار تتحدد طبقًا للإطار الزمنى والظروف والملابسات المحيطة بها . وقد لعبت العوامل المحلية الداخلية دورًا سلبيًا فى التأثير على هذه التقارير . وليس فى استطاعة القائد أن يلم بنفسه بكل كبيرة وصغيرة فى مجريات الأمور مما يؤكد التأثير الذى يمارسه المتستشارون والمساعدون والمحيطون بالقائد ، على قراره ، سواء أكان تأثيرًا سلبيًا أم إيجابيًا ، ومهما كان يتمتع بفكر ثاقب ، وجاذبية طاغية ، ونظرة استراتيجية ، وثقافة شاملة ، وخبرة عميقة ، وكاريزما لا تقاوم .
ولنبدأ بتحليل العوامل الدولية الخارجية التى تحالفت فى نصب الفخ الذى وقع فيه عبد الناصر ثم ننتقل إلى العوامل المحلية الداخلية ، وذلك لنجيب على تساؤل حير كثيرين على مدى ما يزيد على ربع قرن وهو : هل كان من الممكن تجنب نكسة يونيو 1967 وعدم الوقوع فى الفخ الذى نصب لنا والذى ما زلنا نعانى من تداعياته حتى الآن ؟
بدأت خيوط الفخ فى الاتضاح عندما كلف المشير عبد الحكيم عامر الفريق أول محمد فوزى رئيس الأركان فى 14 مايو 1967 بالسفر إلى دمشق فى مهمة للتحقيق ومعرفة مدى صحة المعلومات التى وصلت من الاتحاد السوڤيتى ودول أخرى ، عن الحشد العسكرى الإسرائيلى على حدود سوريا . يقول محمد فوزى فى كتابه أو مذكراته حرب الثلاث سنوات : «1967 - 1970» :
«سافرت فعلاً إلى دمشق فى اليوم نفسه ، ومكثت 24 ساعة تفقدت فيها قيادة جبهة سوريا ، كما سألت المسئولين العسكريين فى قيادة الأركان والجبهة ، عن صحة المعلومات الخاصة بحشد القوات الإسرائيلية على الحدود السورية . وكانت النتيجة أننى لم أحصل على أى دليل مادى يؤكد صحة المعلومات بل العكس كان صحيحًا ، إذ أننى شاهدت صورًا فوتوغرافية جوية عن الجبهة الإسرائيلية ، التقطت بمعرفة الاستطلاع السورى يوم 12 ، 13/5/1967 ، فلم ألحظ أى تغير للموقف العسكرى العادى».
ولم يقر المشر عبد الحكيم عامر بنقل هذا التقرير إلى الرئيس جمال عبد الناصر ، كما أنه لم يكن فى استطاعة الفريق محمد فوزى أن يتجاوز عبد الحكيم عامر ويقدم تقريره إلى عبد الناصر ، خاصة وأن عامر كان يرى فى القوات المسلحة دائرة مغلقة عليه شخصيًا ، لا يخرج منها أو يدخل فيها أى مسئول إلا بإذن منه ، ولذلك كان هو حلقة الاتصال الوحيدة بين القوات المسلحة وعبد الناصر . ومن الواضح أن عامر لم يأخذ تقرير فوزى باهتمام مناسب لوقوعه تحت تأثير التهديدات الإسرائيلية التى كان رئيس الوزراء الإسرائيلى ليفى أشكول يكررها ضد سوريا ، وأعلنها صريحة أن الجيش الإسرائيلى ينوى التقدم لاحتلال دمشق لإسقاط الحكم هناك ، وذلك بالإضافة إلى حملة استفزازية قامت بها بعض الدول العربية ضد وجود قوات الطوارئ الدولية التى تمس السيادة المصرية ، وقد آن الأوان لتتخلص مصر من الاحتماء بهذه القوات ، وكأن هذه الدول مهمومة بالسيادة المصرية أكثر من مصر نفسها .

الصفحات