أنت هنا

قراءة كتاب حبيبتي تنام على سرير من ذهب

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
حبيبتي تنام على سرير من ذهب

حبيبتي تنام على سرير من ذهب

كتاب " حبيبتي تنام على سرير من ذهب " ، تأليف محمد عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 6

الفصل الثاني

1 - الشرشور

- سيارة الفرقة «16» السوداء تحملك إلى المخفر، أحاط بك رجال الشرطة جيداً، الدنيا ربيع حار، والشمس تضرب عيون الجميع وتتوهج على رفاريف السيارة . ما أكبر هذا الكيس الذي يحمله هذا الرجل على ظهره. وأنت الآن بين أيدي البوليس، ما كان أغناك عن كل تلك الشرشحة! في الشارع أولاد بدأوا يفجرون الطرطيق. العيد الكبير غدا قريباً. الناس بدأت تروح إلى الحج. وأنت حججت مرتين يا أبو حسين أحمد العتال: مرة إلى الكعبة ومرة إلى كربلاء. والآن أنت بين قبضات رجال الشرطة وبنادقهم، أنت الرجل الجبار، المرشح لتكون شيخ عتالة المرفأ، ها أنت الآن كالفأر الحقير، كالبسينة اللي خابصها مارسيدس أو بويك، أو ضربتها برأسها عصا قوية، أنت بالكلسون والبروتيل، يا عيب الشوم، ودمك يتجمد على صدرك وركبتيك وقدميك، أحمر متوهجاً، كدم الديوك المذبوحة أيام العيد، بعد أيام، يأتي عيد الأضحى، من سيكون للمرأة والأولاد في العيد يا أحمد العتال؟ سيارة الفرقة «16» الأميركية السوداء تجتاز الطرقات الضيقة، المحاطة بعمارات ضخمة، وأشجار، هذه سينما «ياسمين»، وهذا مكان حبس النسوان القديم الذي احتله الناس أثناء ثورة 58 وكان أبو حسين بين الذين دخلوه عنوة بعد أن كتفوا رجال الدرك الذين كانوا يحرسون أبوابه وجدرانه، وسألهم أحد الجنود، المقيدين بشراشف النسوان بعد أن خرجت عشرات السجينات، صبايا وعجائز يزغردن ثملات ابتهاجاً بأصوات تشق صدر السماء: يعيش «صائب بك»، يعيش عبد الناصر! سألك يا أحمد الفيل، الدركي الملقى على الأرض مثل ديك مذبوح: هلق صرتو مبسوطين؟ مبسوطين ونص. عم نحرر البلد!

- يعني تفليت البنات اللي ما بيسووا والنشالات والنسوان اللي بيفوتوا عند تجار القماش والكلسات تا ينهبوا ويسرقوا معناتو تحرير البلد؟ قلت له مردداً قول الزعيم أحمد بك: الثورة ثورة. إذا ما كبرت ما بتزغر! ـ إيه، طيب، بكرا منشوف. تقدمت منه، ورفعت فوقه رشاشك التومي غن التشيكي قاصداً تحطيم رأسه: كول خـ ...! ولا كلمة، بكسر راسك! سكت الدركي المربوط بشراشف النسوان الملونة القذرة،ونظر إليك بعينين فيهما يغلي الحقد والفزع والتوسل. كم تشبه عيناه عيني أخيك أبو علي، الذي قتله الجيش منذ بدء الثورة ضد مشروع أيزنهاور وضد التجديد لكميل شمعون. وضربته دون حقد كبير ولكن بقوة على كتفه بعقب الرشاش: بس يا عـ... شاطرين تقتلوا الناس وتجيبوا الأميركان تا يحتلوا؟ إذا حكيت كلمي واحدي بعد، بطخك! والآن ها هي جدران وأنقاض حبس النسوان، ها هي الطريق الإسفلت السوداء الهابطة إلى البلد عن طريق المصيطبة تلمع تحت أشعة شمس الظهيرة، واشتعل قلبك شوقاً ولهفة ووجداً: ها هي عربات أبناء الجنوب في حي اللجا، محملة بالخضار والفواكه الزاهية الألوان. ورجال ونساء وأولاد، جمهور كبير متجمعون حول العربات يشترون ويفاصلون ويسدون طريق السيارة. فتيان يبتعدون عن طريقها وهم يصلونها بنظرات شزراء، صبية هيفاء مثل بنتك زينب تسير بفستانها الأحمر بغنج ودلال مرخية ضفيرتها العسلية الطويلة، مثل ضفيرة بنتك رقية على ظهرها الناعم الجميل: قلت لك يا أم حسين ما بدنا نحط بنتنا زينب صانعة. هاي بلش ابن معلمها يلحقها من أوضة لأوضة. وغلا دم أبو حسين في عروقه: سوف يقتل أحداً اليوم أو غداً. وشد يديه القويتين على الأصفاد الحديدية والسلاسل. سوف يحاول الهرب ولا شك. مجرم خطير. وضربه جندي على رأسه بعقب مسدسه، ضربة متوسطة، إرهاباً وتحذيراً:

طيب، طيب يا إخوات الـ... يا دايم الدوم، كل مين إلو يوم. ووصلت السيارة الكبيرة السوداء بفرسانها الخمسة أو الستة إلى مخفر المزرعة. زاروب ضيق، بنايات صغيرة، ـ تفضل شرف سيدنا! ضحكة صفراء من قائد الدورية - سيدك غصباً عنك! لا يمكن ضربه الآن حتى الدماء، بل أدخله أحد رجال الشرطة إلى حمام المخفر، قبل إيصاله إلى غرفة معاون المفوض: غسلوه منيح وسلموه بضاعة نظيفة. وفي وعظ: وهلق الحكي بيناتنا. شو بدك بكياس السكر بتاعت الشيخ بطرس الخوري؟ أمك عا أم كل الخواجات! الصفعات لا تحدث تأثيراً ضخماً في هذا الوجه الأسمر الغليظ والشاربين العنتريين. ومع ذلك كانت الصفعات أقرب إلى البوكس، فسالت أيضاً دماء غزيرة من بين أسنان أحمد العتال المقيد اليدين بالسلاسل والذي كان يستعمل اللبيط دفاعاً وقال، وقد جحظت عيناه من الغيظ والهياج: طيب يا أخو الـ... إذا ما قتلتك بكرا بكون عـ... عامرتي! وبعد أن جرى تنظيف أحمد العتال تماماً سحبه رجال الشرطة إلى غرفة نائب المفوض. يجب الانتظار قليلاً على بنك خشبي طويل، في القاعة الوسطى السوداء، على الجدار الجنوبي المقابل صور عديدة: وجوه كاملة، وجانبية. رجال عديدون. وفكر أحمد العتال. كلهم مطلوبون. ولم يستطع البوليس حتى الآن القبض على أحد منهم، لماذا لم نهرب إلى بيت علي بك. إلى جباع. إلى حاصبيا. هناك مخابىء في سحمر لا يعرفها الله عز وجل نفسه. لو كان يعرفها لأرسل إليها قليلاً من الرحمة. لكنك لم تهرب. لم تفر من وجوه البوليس. علمت أن المسألة حينئذ ستطول، تتعقد، وقربه على البنك الخشبي بوليس بعلبكي يقرأ جريدة: اسمعوا يا جماعة. تخت كبير لنابوليون الثالث كله من الفضة. ألف وخمسماية كيلو! ـ فظاعا.

قال أحد الموقوفين: ما بيسوا يناموا كمان إلا على الفضة! ـ طبعاً، هيك ألذ .

الصفحات