كتاب " تاريخ لبنان الطائفي " ، تأليف د. علي عبد فتوني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب تاريخ لبنان الطائفي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تاريخ لبنان الطائفي
المقدمة
هناك أهمية خاصة تكمن في دراسة تاريخ لبنان الطائفي من خلال رصد الحالة الطائفية وتطورها التاريخي منذ بداية الفتوحات الإسلامية. وتبرز أهمية هذه الدراسة ليس من خلال رصد التطور التاريخي للطوائف اللبنانية فقط، بل من جانب رصد الاختلاف المميز للبنى الاجتماعية والسياسية التي أفرزتها الظاهرة الطائفية والتي من خلالها تحددت الأسس التي يقوم عليها نظام الحكم في لبنان الحديث والمعاصر. وقد تكرّست جذور هذا النظام منذ عهد القائمقاميتين ونظام المتصرفية، مروراً بمرحلتي الانتداب ( 1920 - 1943 ) والاستقلال، وصولاً إلى الحرب اللبنانية ( 1975 - 1990 )، التي كانت الطائفية السياسية أحد أبرز أسبابها الرئيسة.
انطلاقاً من ذلك أصبح الاستقلال الذاتي للطوائف من التقاليد الثابتة في تاريخ لبنان، ومن المسلمات والثوابت التي يقوم عليها النظام . وقد تجس د هذا الواقع الذي أشار إليه الدستور اللبناني ، بما منحته القوانين الوضعية المتعاقبة لهذه الطوائف من صلاحيات تشريعية وقضائية وإدارية .
وكانت الدولة دوما ً هي الضامن الأساسي لإنتاج الطوائف سياسيا ً وضبط نزاعاتها لمصلحة القوى المسيطرة . وهكذا بقي الخلل يضرب في الكيان اللبناني ، ويتعمق مع الزمن ويتحول إلى فجوات تسربت من خلالها هب ات التفجير التي عصفت بالوطن أكثر من مرة وآخرها الحرب الأهلية ( 1975 - 1990 ) ؛ وسيستمر ذلك إذا بقيت الطائفية الركيزة الأولى والأهم في بنية النظام اللبناني . من جهة ثانية، فإن هذا الوضع الطائفي جعل عملية التوجيه القومي والتربية الوطنية في تبلبل بعد أن تخر جت أجيال من المواطنين متباينة الأفكار والمذاهب ، ومتضاربة المثل والأهداف، تختلف في نظرتها إلى ماضي بلادها ، كما تختلف في نظرتها إلى حاضرها ومستقبلها . فتكو ن من ذلك مجتمع متنافر الأجزاء يعيش أفراده منكمشين على أنفسهم ضمن تقوقعات طائفية ، أو أنانية فردية لا تبالي بمصلحة عامة ولا بمصير مشترك . كما نشأ عن هذا الواقع التوجهي تباين في نظرة اللبنانيين إلى مصالحهم المشتركة ومصيرهم المحتوم ، وإلى أوضاعهم الثقافية والاجتماعية والاقتصادية ، التي تتوقف عليها حياتهم .
إن هذا التمثيل السياسي في ارتكازه على تمثيل الطوائف ، هو نظام يرفض الاعتراف بالحقوق السياسية والقانونية المتساوية للمواطنين ، وهو بذلك لا يعترف لهم إلا بحقوق طائفية غير متساوية.
ووراء واجهة الحقوق الطائفية والمشاركة والوحدة الوطنية يخفي نظام الطائفية السياسية نظاماً من الامتيازات الطائفية هي في الوقت نفسه امتيازات اقتصادية واجتماعية، أو امتيازات ثقافية-تعليمية تسمح بنيل الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية؛ أي أنّ نظام الامتيازات الطائفية هو في الوقت نفسه نظام من الامتيازات الاقتصادية والاجتماعية. وطبيعي في نظام كهذا، أن تتضارب المصالح السياسية والطائفية، وأن يصبح مجلس الإدارة هيئة تتصارع فيها القوى الطائفية التي أدخلت الحروب الأهلية في نفوس أبنائها نوعاً من الحذر وعدم الثقة.
انطلاقاً من ذلك، أيـَّد معظم اللبنانيين الاتفاق الجديد، (اتفاق الطائف) وذلك لأنهم ينتظرون الخلاص من الحرب والوقوف على عتبة مرحلة جديدة من تاريخ الدولة اللبنانية يقترن فيها إنقاذ الدولة، في وحدتها، وبالتالي في وجودها واستقرارها، وبضرورة إعادة تأسيسها تجاوباً مع المعطيات الوطنية السائدة، ومصالح الشعب اللبناني في وحدته وحريته وأمنه واستقراره ورخائه.
د. علي عبد فتوني