كتاب " تاريخ لبنان الطائفي " ، تأليف د. علي عبد فتوني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب تاريخ لبنان الطائفي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
تاريخ لبنان الطائفي
التدخل الأوروبي يعزز الانقسام الطائفي
بدأت الامتيازات الأجنبية في الدولة العثمانية إبان عظمتها ، حيث أبرم السلطان العثماني سليمان القانوني والملك الفرنسي فرنسوا الأول عام 1535 م ، المعاهدة التي سميت فيما بعد بمعاهدة « الامتيازات الأجنبية »[45] ، حصل الفرنسيون خلالها على امتيازات في هذه البلاد لأغراض التجارة[46] .
تلك المعاهدة كانت بمثابة نموذج لسائر المعاهدات التي عقدت مع الدول الأوروبية تحت الضغط السياسي والمالي والاقتصادي[47] . وظهرت حقوق خاصة للتجار الأجانب في الموانىء والمراكز التجارية . ثم تحولت إلى امتيازات مدنية لرعايا الدول الأجنبية ، « فجعلتهم يخضعون لقانون الدولة التي يحملون جنسيتها وليس لقانون الدولة العثمانية »[48] . وفي نهاية القرن التاسع عشر توسع نطاق الامتيازات إلى حد كبير ، فطاولت الحماية التجار المحليين من غير المسلمين المتعاملين مع التجار الأجانب ، « وشاعت في إطار الحماية طريقة منح الجنسيات الأجنبية لعملاء القنصليات ومترجميها »[49] ، الأمر الذي سبب ازدواجا ً في الولاء بالنسبة إلى المواطنين الوطنيين ، كما شغل بعضهم منصب قناصل الدول الأجنبية في بيروت ، ثم وكلاء القناصل ومعظم المترجمين ، « ومنهم أسرة الخازن التي شغلت منصب قنصل فرنسا في بيروت نحو مائة عام »[50] .
استغلت الدول الأوروبية تلك العلاقات الداخلية لإثارة الاضطرابات عن طريق تحريض الطوائف على الثورة ، والعصيان والوقوف إلى جانبها . وساعدها على ذلك بث الشائعات التي أقلقت بال الولاة ، فانصرفوا عن إدارة شؤون الولاية[51] . إلا أنهم كانوا لا يجدون حلا ً لدسائس القنصليات سوى أن يغمضوا أعينهم عم ا يجري أو يتصرفوا بحذر بالغ خشية التصادم معها ، وكانت الدولة العثمانية قد تنب هت لأطماع فرنسا في ولاية سوريا وفي جبل لبنان بشكل خاص[52] ؛ إذ لفت انتباهها نشاط المبشرين الفرنسيين في مدينة بيروت ومنطقة جبل لبنان والمدن السورية الأخرى ، حيث أخذوا يقومون بإنشاء المدارس المنظمة ويستميلون بواسطتها أبناء الطوائف المسيحية[53] . كما كانت الزعامات المارونية المنظمة واسطة لاستمالة أبناء الطوائف المسيحية[54] . إذ كانت هذه الزعامات المارونية على استعداد للتعاون مع فرنسا، فأخذت تطالب بفصل لبنان عن محيطه وتحويله إلى دولة نصرانية، لاسيما وأن معظم النصارى توجهوا بأنظارهم نحو الغرب المسيحي وبخاصة فرنسا ، على أنها منارة الحضارة الغربية[55] .
أما فرنسا فكانت تعتبر نفسها حامية النصارى في الشرق ، حيث جرت التقاليد لدى الطرفين على اعتبار الصداقة المارونية الفرنسية في غاية العراقة ، تدعمها القرون الطويلة والتي جعلتها لا تقبل منافسة دول أخرى في هذه الصداقة ، وا لموارنة لا يقبلون منافسة طائفة أخرى في الولاء الفرنسي[56].
ومع بدايات القرن العشرين بدا واضحاً أن الرأسمالية الأوروبية، وبخاصة فرنسا، قد سيطرت على مقدرات واسعة في المقاطعات اللبنانية، بعد أن استغلت نظام الامتيازات سلاحاً للتغلغل في السلطنة العثمانية سياسياً واقتصادياً واجتماعياً وتربوياً لتحويلها إلى دولة شبه مستعمرة ومنطقة نفوذ للدول الأوروبية[57].