كتاب " فلسطين والفلسطينيون " ، تأليف د. عصام سخنيني ، والذي صدر عن المؤسسة العربية للدراسات والنشر عام 2003 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب فلسطين والفلسطينيون
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
فلسطين والفلسطينيون
الفصل الأول
التكوين العَلَمي
تطور التسمية ومدلولاتها التاريخية والسياسية
(1) التزوير التاريخي
لم يتعرض اسم بلد في التاريخ لعمليات الطمس والتزوير كما تعرض له اسم فلسطين الذي واجه عمليات مصادرة حثيثة لمصلحة رأى أصحابها أن نفي الاسم هو المقدمة الضرورية لنفي التاريخ الفلسطيني (تاريخ الأرض وتاريخ الشعب معا) والاستفراد بالأرض بعد أن تعطى الاسم الذي يسوغ امتلاكها· وقد أخذت عمليات الطمس والتزوير هذه أبعادها المتكاملة بدءا من نشوب الصراع على فلسطين منذ نهايات القرن التاسع عشر إذ لم تعد التسمية هنا ذات وظيفة تعريفية فحسب، بل هي تدخل ضمن معطيات الصراع فيها وعليها، بما يحمله الاسم نفسه من إيحاء تاريخي ومدلولات قومية ومقدمات للاستنتاج السياسي· وأكثر من ذلك، وبشكل معكوس تماما، فإن التسمية هنا وفي كثير من حالاتها، هي نتيجة الموقف السياسي المتخذ مسبقا، وبناء على فرضيات معينة تخدم في النهاية الجهة التي تطلق الاسم، حيث يجيء الاسم، بحق أو بغير حق، منسجما مع الموقف السياسي، بل خلاصته وعنوانا له·
فالصهيونية لم تعترف لفلسطين باسمها هذا بل رفضته واستبدلت به اسم أريتس يسرائيل أو أرض إسرائيل(1)، وكان ذلك من منطلق يجعل التسمية ذات وظيفة سياسية غايتها إظهار صلة مزعومة ممتدة عبر التاريخ تربط اليهود بهذه الأرض· وإذا كانت الصهيونية قد استخلصت الاسم الذي يناسبها من الموروثات التوراتية التي أطلقت على هذه الأرض، من جملة ما أطلقت، اسم أرض ـ إسرائيل(2)، فقد استثمر الاسم لترتيب حقائق سياسية عليه، هي مقدمات لنتيجة تتوصل إلى توارث اليهود الموصول لهذه الأرض منذ تاريخ موغل في القدم وعلى امتداد العصور·
وتعزيزا لذلك، فإن تأكيد أبا إيبان، أحد وزراء خارجية إسرائيل السابقين، القول بأن فلسطين عرفت عالميا بـأرض اليهود حتى عام 70 ميلادي(3)، ليس إلا عنوانا لموقف سياسي مضمونه الأساسي حق اليهود بهذه الأرض، بحيث ذهبت به محاولات إثبات هذا الحق المزعوم إلى اختلاق تسمية لم تثبت تاريخيا، وإنما كانت غايتها جعل هذه التسمية منسجمة مع الموقف السياسي بمضمون ديني فاقع·
وفي المقابل كان لا بد من نفي اسم فلسطين من الوجود، وفي أحسن الأحوال محاصرته في إطار زمني محدود بحيث لا يشكل وهو في هذا النوع من الحصار واقعا تاريخيا يكون أساسا لامتداد الماضي الفلسطيني في الحاضر الفلسطيني· وفي هذا الاتجاه ذهب الآثاري الإسرائيلي موشيه دوثان الذي رفض استخدام مصطلح فلسطين بادعاء أن هذا المصطلح كان هو الاسم الرسمي للبلاد مدة ثلاثين سنة فقط عندما كانت تحت الانتداب البريطاني، وهو يعزو هذا المصطلح إلى الأصول اليونانية عندما أطلقه المؤرخ اليوناني هيرودوت (في القرن الخامس قبل الميلاد) واستعيد في المرحلة الرومانية كما استخدم بعد الفتح العربي، وقد نُسي هذا المصطلح تماما إلى العصور الحديثة، ويضيف: إن اسم Palaestina الاسم الذي عرف به الرومان فلسطين لم يكن مستخدما طوال مدة تزيد عن سبع مئة سنة، وإنه في القرن التاسع عشر فقط ومعنشوء المصالح الأوروبية، الدينية والتاريخية السياسية، عاد الاسم اللاتيني إلى الظهور(4)
فالتسمية، في الحالة الفلسطينية التي نحن بصددها هنا، تتجاوز إذن دلالتها على الامتداد الجغرافي، وتخرج على وظيفتها العَلَمية (بفتح متوال للعين واللام) وتدخل ضمن حقائق السياسة، وما يترتب عليها من لواحق الصراع· ولا نزعم هنا أن التسمية كانت أحد مضامين الصراع بل كانت واحدة من مظاهره، كما كانت، في الوقت نفسه، حجة من حججه، وقد أقيم في ضوئها التاريخي كثير من الوقائع المادية في تاريخنا المعاصر، ومنها الشكل الإقليمي، ورسم الحدود، وإذكاء المطامع، وإرساء جوانب الفكر السياسي في جانبي الصراع، بحيث وصلت التسمية بكل هذا إلى الغاية القصوى التي تمنحها لها وظيفتها السياسية·
ومن خلال هذا الفهم خصصنا هذا الفصل لهدف أساسي هو صيرورة الاسم وتتبع جذوره ومسايرة تطوره، وصولا إلى المدلولات السياسية الحقيقية التي يكشف عنها هذا التطور·