كتاب "الثورة الإسلامية و الاقتصاد..صراع النخب حول استقلال الاقتصاد الإيراني"، الصادر عن عن دار التنوير للنشر والتوزيع، للباحثة اواليلي بساران مديرة للدراسات السياسية والنفسية بكلية موراي بجامعة كامب
أنت هنا
قراءة كتاب الثورة الإسلاميـة والاقتصاد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الفصل الأول
الإصلاح ومناهضة الإصلاح
الإطار النظري
تبنّت المؤسّسات المالية الدولية كالبنك الدولي وصندوق النقد الدولي منذ وقت طويل الرأي القائل بأنّه على مؤسّسات الدولة تكييف أوضاعها مع قوى العولمة الاقتصادية. فقد اقترحت هذه المؤسّسات أنّ خفض دور الدولة لصالح السوق، سيمكّن التمويل العالمي من الانتقال بحرية عبر الحدود وبذلك يمكن للجميع تحقيق معدّلات مرتفعة من النمو الاقتصادي. ويدّعي البنك الدولي ((2009b: 50 أنّ زيادة التكامل مع الاقتصاد الرأسمالي العالمي سوف يؤدّي إلى نمو أسرع إلى جانب خَلق المزيد من فرص العمل، وقد شجّع البنك الدولي منطقة الشرق الأوسط وشمال أفريقيا خاصّة على «الانتباه المستمرّ لأجندة الإصلاح الهيكلي غير المكتمل للتأكّد من التقدّم المستدام في ظلّ عالم أكثر تنافسية ـ ((World Bank 2009a: xiv. وبرغم ذلك، قاومت العديد من الدول ـ تتضمّن تلك الدول الجمهورية الإسلامية الإيرانية ولكنّها لا تقتصر عليها ـ هذا الدفع تجاه الإصلاح الاقتصادي.
وبالتحديد فإنّه في تلك الأجزاء من العالم التي استدعت فيها المرحلة الحالية من العولمة الاقتصادية ذكريات الهيمنة الاقتصادية التي غالبًا ما مضت يدًا بيد مع الإمبريالية الأوربّية، وجدت النخب الحاكمة أنّه من الصعب عليها أن تتبنّى بإخلاص القواعد الأنجلو ـ أمريكية للعبة التي يبشر بها البنك الدولي وصندوق النقد الدولي. فحيثما كان يسود الشعور بأنّ الخبرات السابقة في الاتصال مع القوى الاقتصادية الأجنبية قد أدّت إلى نتائج ضارّة إلى حدٍّ بعيد بالمصالح الوطنية، كانت الدول تميل إلى الحرص للحيلولة دون السماح للتاريخ بأن يكرّر نفسه. فالطموح للتحرّر من قيود الإمبريالية الغربية أثبت أنّه قوي ودائم، وحتّى اليوم فإنّ سياسات دول ما بعد التحرّر من الاستعمار استمرّت بطرق عدّة متأثّرة بالإدراك المتعلّق بالماضي (Tripp 2001: 215).
لم يكن الموقف الحذِر تجاه قوى العولمة الاقتصادية، على أيّة حال، مستمرًّا على أساس مظالم الماضي فقط. ففي الممارسة العملية، تلعب الاهتمامات الراهنة دورًا مهمًّا أيضًا في مقاومة العديد من الدول السلطوية وشبه السلطوية للإصلاحات الاقتصادية النيو ـ ليبرالية. ومع الوضع في الاعتبار الحجّة التي يقول بها بعضهم من أنّ التمويل العالمي قد عزّز قوّته إلى حدّ أنّ الدول قد فقدت سلطتها الاقتصادية(1)، ولذا فليس هناك ما يبعث على الدهشة عند اكتشاف تواجد نخب سياسية مصمّمة على التمسّك بتحكّمها في الاقتصاد المحلّي بقدر ما تستطيع، آملة تجنّب أيّ خسارة مصاحبة في سلطتها السياسية. وعلى الرغم من أنّه تم إظهار أنّ النخب الاقتصادية كان بإمكانها الحفاظ على نفوذها السياسي حتّى مع احتضانها لسياسة التحرّر الاقتصادي (على سبيل المثال (Heydmann 2004 فإنّه لا يترتّب على ذلك تبنّي النظم السياسية غير الليبرالية لوجهة نظر أنّ قوى العولمة الاقتصادية هي قوى لطيفة تمامًا. بل وعلى النقيض من ذلك، فمع الوضع في الحسبان أنّ نموذج الرأسمالية الغربية قد أحضر معه درجة ما من التحرّر السياسي التي تشوّه سمعة العديد من النظم السياسية، فإنّ العولمة التي يقودها الغرب تمّ غالبًا التعامل معها بحرص شديد.
على الرغم من هذا، فبينما تسبّبت ظلال الماضي إلى جانب مشاغل الحاضر في تحدّي العديد من البلدان غير الغربية لشروط الارتباط التي وضعت من طرف البنك الدولي وصندوق النقد الدولي، فإنّ الأسلوب المحدّد الذي ستتفاعل به أيّ دولة محدّدة مع قوى العولمة سيكون بالضرورة فريدًا من نوعه. فكلّ دولة سوف تشكّل موقفها، ليس بسبب فضيلة بعض المنطق الضمني الذي تحظى به كفاعل موحد ومستقل(2)، على أيّة حال، ولكن بالأحرى كنتيجة لسلسلة من المفاوضات المعقّدة والدائمة التحوّل، والتي تحدث داخل النخب المختلفة وبينها، وكذلك بين الجمهور الاجتماعي الذي تعدّ هذه النخب جزءًا لا يتجزّأ منه(3). وعلى سبيل المثال، فعلي الرغم من إدراك عدد كبير من الدول أنّ شرعيتها مقيّدة بانتقاد الرأسمالية الغربية للأسباب التي تمّ ذكرها آنفًا، فإنّ طبيعة السياسات التي تتمّ صياغتها على أساس هذا النقد سوف تختلف بناءً على كيفية الارتباط بين النخب وجمهورها وبالوقائع الاقتصادية التي يعتقدون أنّ الدولة ستواجهها. فكلّ من المناصرين والمعارضين للتحرّر الاقتصادي سوف يتمّ أخذهم بالاعتبار وسيقدّرون في ضوء السياق المحدّد لكلٍّ من الزمان والمكان.
وفي حالة جمهورية إيران الإسلامية، كان السياق الذي دارت فيه هذه السجالات حول السياسة الاقتصادية يتشكل عامّة عن طريق الحركة الثورية التي جلبت النظام للوجود. وسيبيّن هذا الفصل كيف حدّد الإطار الدستوري الفريد، الناجم عن كفاح قوى الثورة، طبيعة المفاوضات اللاحقة واتجاهها حول الهدف الأعلى للاستقلال الاقتصادي في إيران. وبتوضيح هذا الفصل لذلك الأمر، فسوف يوضح أيضًا لماذا كانت الحجج الاقتصادية التي قدّمها بعض التكنوقراط، ورجال الأعمال، والنخب السياسية في البلاد والتي تحبّذ بذل جهد أكبر لجذب رأس المال الأجنبي كان عليها بالضرورة أن تتوافق مع الحجج المضادّة التي قدّمها آخرون كانوا يسيطرون على توزيع الثروة النفطية داخل البلاد، والذين يدعمون الحاجة إلى الدفاع عن الثورة وحماية الهوية الوطنية للجمهورية الإسلامية، وخاصّة في مواجهة استمرار العقوبات الغربية. وعلى سبيل التحديد، فإنّ هذا الفصل يبرز النقطة الرئيسية المتّصلة بأنّ التشجيع المتكرّر من قِبل البنك الدولي وصندوق النقد الدولي لا يعدّ ببساطة كافيًا لمحو الرغبة في الاستقلال الاقتصادي في إيران ما بعد الثورة. وقبل الانتقال إلى المناقشة التفصيلية لهذه الدينامية المعقّدة للإصلاح الاقتصادي الإيراني، على أيّة حال، فإنّ هذا الفصل سوف يبدأ بالتشديد على أهمّية الخبرة الثورية في هذه المقاومة المتّصلة والمستمرّة للتهديدات المدركة، والمجادلة ضدّ وجهة النظر القائلة بأنّ عمليات «التطبيع» تردّ الأهداف العليا الثورية بحيث تصبح غير ذات صلة.