كتاب "الثورة الإسلامية و الاقتصاد..صراع النخب حول استقلال الاقتصاد الإيراني"، الصادر عن عن دار التنوير للنشر والتوزيع، للباحثة اواليلي بساران مديرة للدراسات السياسية والنفسية بكلية موراي بجامعة كامب
أنت هنا
قراءة كتاب الثورة الإسلاميـة والاقتصاد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
دينامية الإصلاح الاقتصادي
من أجل فهم الانتقال بين الإصلاح ومناهضة الإصلاح الذي حدث في الاقتصاد الإيراني بعد الثورة، من الضروري استكشاف الإطار الدستوري والسياق الاجتماعي/الاقتصادي الأوسع الذي انغمست فيه الفصائل المختلفة للنخب السياسية الإيرانية واستمرّت في الجدال حول الميراث الثوري منذ عام 1979. ويرجع هذا لأنّ تحديد إلى أيّ مدى يمكن لأيٍّ من هذه الفصائل النجاح في سبك منهج الجمهورية الإسلامية في الاقتصاد العالمي في سبيكة واحدة مع تفضيلاتها الخاصّة هو أمر تأثر دون شكّ بموقعها ضمن هذا النظام السياسي. فكلّ النخب الإيرانية التي كان من المحتمل أن يكون لها تأثيرها على السياسة تعدّ مندمجة في شبكة واسعة تطوق الجمهورية الإسلامية، وكلّها أيضًا ملتزم بالهدف الثوري المتعلّق بالاستقلال الاقتصادي. وعلى أيّة حال، فإنّ كلّ واحدة من هذه النخب سوف تقوم بتأويل الهدف الثوري بطريقة مختلفة تتّفق مع مصالحها المادّية وتصوراتها. وسوف يختلف أثر أيًّ من الإستراتيجيات المحدّدة التي يقترحها كلّ فصيل من الفصائل لتحقيق رؤيته الخاصّة للاستقلال الاقتصادي بناء على موقعه ضمن هذه الشبكة، ويساهم صعود وسقوط الائتلافات المنافسة له في حتمية تقلّب السياسات الاقتصادية داخل الجمهورية الإسلامية.
إيران كدولة ريعية
يبدو الوضع للوهلة الأولى وكأنّه من غير المحتمل أن يكون بوسع مجموعات الفصائل المتنافسة ممارسة أيّ نفوذ على السياسة الاقتصادية في إيران. فبوصفها دولة تؤمّن الغالبية العظمى من دخلها مباشرة من تصدير الموادّ الهيدروكربونية وليس من جمع الضرائب محليًّا، يمكن المجادلة بأنّ الجمهورية الإسلامية في موضع جيّد يمكنها من التمتّع بالاستقلال التامّ عن المجتمع والسيطرة التامة عليه. وطبقًا لنظرية الدولة الريعية، التي تفترض أن توفّر مصادر غير إنتاجية للدخل تضع الدول الغنيّة بهذه المصادر في موضع تكون فيه في غير حاجة إلى الاعتماد على الاستخلاص المالي من سكانها، ولكن بدلًا من ذلك يمكنها ببساطة أن توفّر لهؤلاء السكان الوظائف، والخِدمات ومزايا أخرى(7)، ويتوقّع بعضهم من ثَم أن بوسع الدولة الإيرانية الغنيّة بالنفط تحديد سياستها الاقتصادية باعتبارها هُوية مستقلّة.
إضافةً إلى ذلك، ومع الأخذ في الاعتبار اعتماد إيران على سوق البترول العالمي لتوليد الدخل، فيبدو أنّ هذه الدولة المفترض استقلاليتها لا بدّ وأن تكون مجبرة على التوافق مع قواعد الرأسمالية العالمية. وفي ضوء الاعتقاد بأنّ حاجة إيران إلى النمو الاقتصادي والتنمية يمكن خدمتها على أفضل نحو فيما لو قامت الدولة الإيرانية ببساطة بتحرير اقتصادها والانفتاح على مستويات متزايدة من رأس المال الأجنبي، فيفترض بعضهم أن إملاءات قوى العولمة الاقتصادية سوف تقوم لا محالة بتشكيل السياسة الاقتصادية لهذا البلد المرتبط بشدّة بالفعل بالنظام الاقتصادي العالمي.
وعلى أيّة حال، فكما هو الحال مع الثورات الأخرى الناجحة في القرن العشرين، والتي وقعت جميعها في بلدان كانت في السابق في علاقة تبعيّة مع الرأسمالية الغربية (Dunn 1989)، بقيت دولة إيران ما بعد الثورة ملتزمة بالهدف الأعلى المتعلّق بتغيير هذه العلاقة غير المرحّب بها، والهجران التام لهدف الاستقلال الاقتصادي لصالح أيّ رشادة اقتصادية رأسمالية كان إلى حدٍّ بعيدٍ أمرًا غير مطروح للتفكير فيه. وبشكل محدّد، فكما لم يكن هناك عودة للحالة «الطبيعية» في أعقاب الثورة، فلم يكن هناك أيضًا أيّ «منطق» في أن يكون بمستطاع الرأسمالية الغربية التأثير على السياسات الاقتصادية للجمهورية الإسلامية من أعلى بأيّ طريقة ملموسة. إضافة إلى ذلك، وعلى الرغم من أنّه غالبًا ما تم توقّع أن تصبح الدولة المحرّك الرئيسي للتغيّر الاجتماعي في إيران ما بعد الثورة، فمن المهم إدراك أنّ دولة ما بعد الثورة كانت بالضرورة مقيّدة بالطيف الواسع من المجموعات الاجتماعية التي أسهمت في تأسيسها بداية. وبالتبعية، فقد كانت استقلالية دولة ما بعد الثورة محدودة للغاية.