أنت هنا

قراءة كتاب الثورة الإسلاميـة والاقتصاد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الثورة الإسلاميـة والاقتصاد

الثورة الإسلاميـة والاقتصاد

كتاب "الثورة الإسلامية و الاقتصاد..صراع النخب حول استقلال الاقتصاد الإيراني"، الصادر عن عن دار التنوير للنشر والتوزيع، للباحثة اواليلي بساران مديرة للدراسات السياسية والنفسية بكلية موراي بجامعة كامب

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 6

وبالبحث عمدًا عن ترميدور ما بعد الثورة، كان مثل هؤلاء المحلّلين في الجمهورية الإسلامية يخاطرون بأن يُعموا أنفسهم عن رؤية التطوّر المعقّد الذي كان حادثًا لا محالة في دولة ما بعد الثورة. إذ يبدو أنّ هؤلاء المحلّلين قد تبنّوا وجهة نظر أنّ التاريخ عليه أن يتبع طريقًا أحاديًّا صافيًا، حيث يتمّ هجر المثاليّات «غير الرشيدة» لصالح الاحتياجات «الرشيدة»، وبهذا كانوا مدفوعين إلى رؤية الأحداث ضمن هذا الإطار فقط. وعلى وجه الخصوص، ففي مثل تلك الحالات التي كان يبدو أنّه تمّ فيها تجاهل الاحتياجات «الرشيدة» من قِبل الدولة، كان التابعون للإطار المرجعي لتشريح الثورة يبدون ناقصي التأهيل لتفسير أسباب لماذا كان الوضع على هذا النحو: وأصبح من غير المفهوم لماذا كان يجب على الدولة الإسلامية أن تقاوم التحرّر الاقتصادي، على سبيل المثال. وعلى أيّة حال، كان يمكن فهم النتائج غير المتوقعة للثورة بإدراك تواجد العديد من التفسيرات لما يتعلّق بالرشادة، والتي هي في السياق الإيراني، كما هي في أيّ مكان آخر، يمكنها أن تتسبّب في طيف واسع من المناهج التي يمكن اتباعها كجزء من صراع القوّة حول تعريف النظام السياسي الجديد، وهو ما يتسبّب في كون السياسات يتمّ تثبيتها واضمحلالها خلال فترة ما بعد الثورة بشكل دائم، وكما حدث في حالة الصين بعد ماو تسي تونج (Zhang 1996). وبدلًا من توقّع أن تحدث كافّة التطورات كعملية خطّية، فربّما يكون الأمر المساعد أكثر هو إدراك الطبيعة المتقلّبة وغير المنظمة غالبًا للتاريخ.
وباختصار، فمن الضروري إعادة التفكير في ترميدور ما بعد الثورة، ويجب أن يوضع محلّه تقدير إمكانية أن تأخذ عملية التعزيز ما بعد الثورة، ولأسباب رشيدة تمامًا وطنيًّا، شكل دمج المثاليّات الثورية إلى جانب احتياجات ما بعد الثورة. ومع الوضع في الاعتبار قوّة ومدى تهديد الحركة الثورية في إيران، فإنّ التطورات في الجمهورية الإسلامية قد تشكّلت بطيف من الاحتياجات التي كانت تنضفر هي ذاتها مع ميراثها المتصور. وكان الطيف الواسع من التركيبات المحتملة ما بين الاثنين ـ الاحتياجات والميراث المتصّور ـ هو الذي أدّى لتقلّب السياسات، جاعلًا من أيّ تطوّر خطّي على المسار الترميدوري أمرًا مستحيلًا تقريبًا. ويمكن رؤية ذلك، على سبيل المثال، في أنّ سياسات مركّزة الاقتصاد والسياسة كان يعقبها سياسات مناقضة تدعو للتحرّر الاقتصادي واللامركزية السياسية، ليتمّ فقط تعديلها مع الوقت إلى طريق وسط عبر التفاوض والتوافق، ليتمّ استبدالها مرّة أخرى بالمركزة و/أو اللامركزة.
وعلى الرغم من قيام فرد هاليداي بالتأكيد بثقة عند بداية الألفية الجديدة «بالتأكيد، وبعد أكثر من عقدين بعد الثورة، لم تعد الشعارات القديمة قيد العمل» (Halliday 2002: 157)، وفي الواقع فقد استمرّت أصداء «الشعارات القديمة» للثورة، وشكّلت السياسات الجديدة بالقدر نفسه الذي شكّلتها به الاعتبارات العملية الواضحة للزمن الحاضر. وفي الحقيقة، فإنّ كلًّا من التأثيرين لا يمكن فصل أحدهما عن الآخر: فالشعارات يمكنها دعم الاحتياجات العملية، بينما الاحتياجات العملية يمكنها تعزيز الشعارات. وحيث كانت الثورة الإيرانية قد وضعت أهدافًا محدّدة، استمرّت النخب الحاكمة لدولة ما بعد الثورة في الدفاع عن تأويلها لهذه الأهداف من أجل الاحتفاظ بشرعيتها الآن وفي المستقبل. وعلى أيّة حال، ومع الأخذ في الحسبان طيف الفصائل السياسية في إيران الحديثة(6)، فقد قام كلّ فصيل من هذه الفصائل بتقديم تأويله الخاصّ للأجندة الغامضة التي شكّلت الحركة الثورية، حيث كان هناك العديد من الفرص التي تمّ انتهازها لإعادة توجيه الشعارات بحيث يمكن للمثاليّات والاحتياجات التلاقُح معًا في مُركّبات مبتكرة على مرّ الزمن (Brumberg 2001).
وإضافة إلى ذلك، فبدلًا من التفكير في الفصائل الإيرانية كما لو أنّ البعض منها كان مدفوعًا فقط بعاطفة عميقة نحو شعارات الثورة، بينما كان الآخرون موجّهين بشكل متزايد لـ «الأخذ بالأسباب» وبـ«الرشد» (كما تم المجادلة في Menashri 2001:50)، فربّما يساعد أكثر تقدير الغموض وعدم الانتظام الكامنين في الممارسة السياسية للفصائل حقّ قدره. وبوجه خاصّ، فبينما قد يتمسّك أحد الفصائل بنظرة محدّدة للاقتصاد والتي تضعه في موضع متعارض مع فصائل أخرى حينما يتعلّق الأمر باتخاذ قرار بشأن السياسة الاقتصادية، فإنّ الاثنين قد يتشاركان في وجهات النظر نفسها في القضايا الاجتماعية والثقافية. وفي هذا الموقف، فبإمكان هذين الفصيلين أن يكونا متنافسين وشريكين في الوقت ذاته. والأكثر أهمية، أنّ كلّ فصيل منهما سوف يعكس بدرجة ما التلاقي في أوجه مختلفة من أجندة المثاليّات الغامضة للثورة إلى جانب مصالح مؤسّسية مختلفة. وإلى حدّ كبير فإنّه بسبب هذه الطبيعة المعقّدة للتنافس ما بين المجموعات المتنافسة للجمهورية الإسلامية كان هناك تقلّب مستمرّ في السياسة خلال فترة ما بعد الثورة، وهو ما يجعل من توقّع تطوّر أحادي تجاه الترميدور أمرًا شديد المراوغة.

الصفحات