كتاب "الثورة الإسلامية و الاقتصاد..صراع النخب حول استقلال الاقتصاد الإيراني"، الصادر عن عن دار التنوير للنشر والتوزيع، للباحثة اواليلي بساران مديرة للدراسات السياسية والنفسية بكلية موراي بجامعة كامب
أنت هنا
قراءة كتاب الثورة الإسلاميـة والاقتصاد
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
وفي إيران، بالطبع، يُعدّ كلٌّ من الأهداف الثورية وموادّ الدستور مرنة ومفتوحة أمام عملية التأويل، ولكنّها تعدّ بعيدة كلّ البعد عن إضعاف العقلية الكائنة في قلب النظام السياسي، ومثل هذه المرونة يمكن في الواقع أن تكون مفيدة للنظام السلطوي. ويشرح لينز أنّ «الإبهام العقلي يثلم من خطوط الانقسام الحادّة في التحالف؛ ليسمح بذلك للحكام بالحفاظ على ولاء العناصر المتباينة» (ibid: 164). وهذا هو بدقّة ما يمكن رؤيته في الحالة الإيرانية، حيث إنّه حتّى ولو كان هناك سجال شديد حول هدف الاستقلال الاقتصادي الغامض، فإنّ أيًّا من المشاركين في هذا السجال لم يسعَ قطّ لهجر هذا الهدف كلّيًّا.
وعلى وجه التحديد، وحيث إنّ هناك «شبه معارضة من بعض الجماعات.... المنهمكة في نقد جزئي إلّا أنّها تكون راغبة في المساهمة في السلطة بدون أن تمثّل تحدّيًا جوهريًّا لنظام الحكم» (ibid: 168)، إذ يمكن احتواء السجال حول السياسات بفعالية ضمن حدود معينة. وعلى الرغم من أنّ وجود قنوات مؤسّسية للتعبئة السياسية والمشاركة السياسية في شكل انتخابات تميز الجمهورية الإسلامية عن النموذج «الصافي» للسلطوية، فإنّ هناك حدودًا لما يمكن تحدّيه من خلال هذه الآليّات الانتخابية في الممارسة. ومن الأهمية بمكان، تطبيق هذه الحدود على أسئلة السياسة الاقتصادية بالقدر نفسه الذي يمكن تطبيقها به على القضايا الأخرى التي تتوجّه بشكل أكثر مباشرة لأصحاب المناصب في السلطة السياسية.
وحول السؤال كيف يمكن على أفضل نحو الاقتراب من قوى العولمة الاقتصادية بطريقة تمكن من تأمين تحقق الهدف الثوري بالاستقلال الاقتصادي، فإنّ شبه المعارضة من المحتمل أكثر أن تنجم إمّا في البرلمان أو الرئاسة. وحيث إنّ كلًّا من المؤسّستين تنتخب كلّ أربع سنوات عن طريق الاقتراع العامّ، فإنّ هناك فرصًا كثيرة للآراء الجديدة والبديلة لتطوير وكسب صوت فيها.
وداخل البرلمان، الذي تتمّ الإشارة له رسميًّا باعتباره جمعية للاستشارة (مجلس الشورى الإسلامي، أو المجلس)، غالبًا ما تعدّ السجالات السياسية الحامية والانتقادات الحادّة للأجهزة الحكومية أمرًا طبيعيًّا. وطبقًا للدستور الإيراني، يمكن للبرلمان مساءلة الحكومة، ويمكنه أن يُخضِع الرئيس والوزراء للتصويت عليهم بعدم الثقة (دستور جمهورية إيران الإسلامية: المادة 89) ومن حقّ البرلمان الفحص والتحقيق في كلّ شئون الدولة (الدستور: المادة 76). ولا يتردّد أعضاء البرلمان في استخدام كامل استحقاقاتهم الدستورية. وبالمثل، وباعتباره رئيسًا للسلطة التنفيذية إلّا في الأمور التي تتعلّق مباشرة بمكتب القائد الأعلى، فلدى الرئيس السلطة لطرح سياسات حكومية جديدة وتشكيلها، وبعد موافقة البرلمان، يمكن لهذه السياسات أن تحدِث تحوّلًا كبيرًا في علاقات الجمهورية مع الرأسمالية الغربية.
وعلى أيّة حال، فبينما يمكن لبعض نواب البرلمان والرئيس، وغالبًا بالاشتراك مع طيف من التكنوقراط والمسئولين الحكوميين، تطوير تأويلات جديدة للعقلية الثورية عمومًا ومن ثمّ، يخلقون بيئة يمكن أن تُطرح فيها وتناقش خيارات سياسية لم يكن من الممكن تصوّر طرحها في السابق، فسوف يميل هؤلاء إلى مواجهة معارضة نواب البرلمان الآخرين الذين ينظرون لهذه الابتكارات على أنّها «غير ثورية» تمامًا ومن ثم غير مرغوب فيها. وإضافة إلى ذلك، فهناك دائمًا احتمالية، عند الانتخابات الرئاسية، أنّ المرشح الجديد سوف يقوم بقطع خطوات على النقيض من كافّة الإصلاحات التي طرحتها الإدارة السابقة. وفي ضوء المحدودية الموضوعة للمفاوضات حول قضايا السياسة المهمّة في دولة شبه سلطوية مثل الجمهورية الإسلامية، تميل الإصلاحات إلى التوحّد من جديد مع جهود منسّقة في مناهضة الإصلاح بمجرد أن يتمّ الشعور بأنّ هذه الحدود تعاني من مخاطر تجاوزها. وعلى وجه التحديد، فعلي الرغم من أنّ هناك فرصًا أمام المسئولين المنتخَبين للتشجيع على سياسات تجري في صالح التفاعل الأكبر مع الاقتصاد العالمي (لو أنّ هذه الخطوة كانت منسجمة مع فهمهم الخاصّ للهدف الأعلى للاستقلال الاقتصادي)، فإنّ المسئولين غير المنتخبين مع مصالحهم الراسخة في الحفاظ على الجمهورية الإسلامية سيميلون للوقوف في طريقهم.
وتُعدّ المؤسّسة غير المنتخبة التي هي أكثر قدرةً على الحدّ من التنافس والمشاركة هي مجلس صيانة الدستور، التي تتوفّر لديها سلطة منع أيٍّ من أو كلّ التشريعات البرلمانية التي ترى أنّها غير متّفقة إمّا مع القانون الديني (الشريعة ـ م) أو دستور الجمهورية الإسلامية. وتتكوّن هذه المؤسّسة من ستّة أعضاء من العلماء (علماء في الدين الإسلامي)، يتم اختيارهم مباشرة عن طريق القائد الأعلى، إلى جانب ستّة قانونيين مسلمين، يتمّ اختيارهم عن طريق رئيس السلطة القضائية (المعيّن بدوره عن طريق القائد الأعلى) ثم بعد ذلك عليهم الحصول على موافقة البرلمان.
وإضافة إلى قدرتهم على معارضة التشريعات، فلدى أعضاء مجلس صيانة الدستور وفقًا للدستور أيضًا سلطة «الإشراف» (الدستور: المادة 99) على الانتخابات الرئاسية والبرلمانية إلى جانب انتخابات مجلس خبراء القيادة (جهاز يختار القائد الأعلى الجديد حينما يكون ذلك ضروريًّا). ومنذ عام 1992، تمّ تأويل شروط عمل مجلس صيانة الدستور لكي تعني غربلته للمرشحين وحقّه في منع أيٍّ منهم من خوض الانتخابات. وعلى وجه التحديد، فإنّ هذا الجهاز غير المنتخب لديه النفوذ لتشكيل مؤسّسات البلاد المنتخبة، وبالتالي يؤمن بقاء تمثيل العقلية القائمة واستمرارها في الجمهورية الإسلامية في كافة أنحاء الهيكل المعقّد لسلطة نظام الحكم.