أنت هنا

قراءة كتاب خطاب عن الاستعمار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
خطاب عن الاستعمار

خطاب عن الاستعمار

كتاب " خطاب عن الاستعمار " ، تأليف ايميه سيزير ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 3

خطاب عن الاستعمار

إنّ الحضارة التي تُثبت عجزها عن حل المشاكل التي تخلق، هي حضارة منحطّة.

إنّ الحضارة التي تختار أن تغمض عينيها تجاه معظم مشاكلها المصيرية، هي حضارة مُتصدِّعة.

إنَّ الحضارة التي تستخدم مبادئها من أجل الخداع والمكر، هي حضارة مُحتضرة.

وفي الواقع إنّ ما يسمى بالحضارة الأوروبية - الحضارة «الغربيّة» - كما تم تشكيلها عبر قرنين من الحكم البرجوازي، هي عاجزة عن حل مسألتين أساسيتين على وجودها، واللتين قد تمّت إثارتهما: مسألة البروليتاريا، والمسألة الاستعمارية؛ الى حد أنّ أوروبا غير قادرة على تبرير نفسها إن كان ذلك أمام معيار «العقل» أو أمام معيار «الضمير»؛ وأنها تلجأ إلى النفاق بشكل تصاعدي مما يزيد من البغيضة لأنها أقل وأقل قدرة على الخداع.

لا يمكن الدفاع عن أوروبا.

على ما يبدو، هذا ما يهمس به الاستراتيجيون الأمريكيون لبعضهم بعضاً.

هذا ليس مهماً بحد ذاته.

المهم هو أن «أوروبا» أخلاقياً، وروحياً غير مبرّرة.

واليوم التهمة قد وُجهت ضدها ليس من قبل الكُتل الأوروبية فقط، بل على نطاق العالم، من قبل عشرات وعشرات الملايين من الرجال الذين، من عمق العبودية، عيّنوا أنفسهم قضاة.

قد يَقتل المستعمِر في الهند الصينية، يُعذّب في مدغشقر، يسجن في أفريقيا السوداء، يَقمع في جزر الهند الغربية. لكن من الآن فصاعداً يعي المستعمَرون أنهم يتقدمون عليه.

إنهم يعلمون أن «أسيادهم» المؤقتين يكذبون، ولذلك أسيادهم ضعفاء.

وبما أنّه قد طُلِبَ مني أن أتكلم عن الاستعمار والحضارة، فلنتجه مباشرةً إلى الكذبة الأساسية والتي تُشكِّل المصدر لما تبقى.

الاستعمار والحضارة؟

في معالجة هذا الموضوع، فإنَّ اللعنة الأكثر شيوعاً هي أن تكون المغفّل بحسن نيّة النفاق الجماعي الذي يُشَوِّه المشاكل بذكاء، ومن الأفضل شرعنة حلول الحقد المعروضة أمامها.

وبعبارة أخرى، الأمر الأساسي هنا أن نرى بوضوح، أن نفكر بوضوح - وأن ننصت بحذر - أن نُجيب بشكل واضح على السؤال الأول البريء: ما هو، جوهرياً، الاستعمار؟ لنتفق على ما ليس هو عليه: ليس التبشير، كما أنه ليس مشروعاً إحسانياً، وليس الرغبة في إبعاد حدود الجهل، المرض، والطغيان، وليس مشروعاً ملتزماً بنشر عظمة الله العظيم، وليس محاولة لبسط سيادة القانون. لنعترف مرّة وإلى الأبد، دون إغفال العواقب، أن الحركة الفاعلة الحاسمة هنا هي حركة تضم حركة المغامر والقرصان، بائع البقالة بالجملة ومالك السفينة، ومنقِّب الذهب والتاجر، الشهية والقوة، وخلفهم، الطيف المُسقَط المُهلك لشكل من الحضارة التي، تجد نفسها مرغمة، أثناء مرحلة معينة من تاريخها، لأسبابٍ داخليّة، على توسيع منافسة اقتصادياتها العدائية على نطاقٍ عالمي.

وفي متابعة دراستي التحليلية، وجدت أن النفاق هو من التاريخ الحديث؛ فلا كورتيز (Cortéz) باكتشافه المكسيك من قمة الهرم العظيم تيوكالي (teocalli)، ولا بيزارو (Pizzaro) في مواجهة كوزكو (Cuzco) (أقل بكثير من ماركو بولو Marco Polo في مواجهة كامبولوك Cambuluc)، ادّعى أنه المبشِّر لنظام الفوقيّة؛ فهم كانوا يقتلون، ينهبون، يملكون الخوذ والرماح، والأطماع؛ على أنّ مبرّرو الاستعباد أتوا لاحقاً؛ وأنّ المذنب الرئيسي في هذا المجال هو التحذلُق المسيحي، والذي أرسى المعادلات الكاذبة المسيحية = الحضارة، الوثنية = الوحشية، من حيث لا ينتج إلا استعماراً كريهاً وعواقب عنصريّة، والذين سيكونون الضحايا هم الهنود، الشعوب الصفراء، والزنوج[1].

الصفحات