أنت هنا

قراءة كتاب راوية

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
رواية

راوية

كتاب " راوية " ، تأليف هنا فرح حلاحل ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
3
Average: 3 (1 vote)
المؤلف:
الصفحة رقم: 9

أهو العذاب، أم الشَّدو ، للكنار؟!...

في البيت أناسٌ، من ذوي القلوب الرِّقاق؛ ولكن في خضمِّ هذا الكمِّ من الحنان؛ ما يحمل على الشكِّ بأنّ ما هو محرَّمٌّ، عند أصحاب المنطق؛ لهو مستباحٌ، عند من هم، باعتقاد أنفسهم، من أكابر القوم؛ ولاستبدادهم، يحسب ألف حساب؛ ويفصل على مقاسهم ألف مبرَّر؛ لأفعال هي من ضمن صلاحيّاتهم؛ فلا يجوز في حقِّهم النَّقد، ولا حتّى الإضفاء عليهم، صبغة العناد!... فعندما يكتفي الأولاد مما بأيديهم من ألعاب؛ يشعرون، بعدها بالفراغ!... لذلك، نرى بعض الآباء يفكِّرون دائماً في استنباط أفكار جديدة؛ تساعدهم على إلهاء فلذات أكبادهم، بأشياء أخرى؛ على أمل إدخال الفرح إلى قلوبهم، بما هو متواجد، حديثاً معهم؛ وعلى غير المعتاد!...

فمن الصَّالة الكبرى المطلّة على الحديقة، يتعالى صوت كنار؛ فيتردَّد معه ضجيج الأطفال!... وكلّ ولدٍ ينسب التغريد، على أنّه الفحوى، من الرَّدِّ على الكلام الذي قاله للكنار!... فهو قد اعتبر بأنَّ زقزقات العصافير، هي أيضاً، من الأحاديث؛ التي لا يفهمها سوى الذين يربّون، في بيوتهم؛ فئات معيَّنة، من أنواع الطيور!...

فالكنار الخارج تواً، من البيضة، يباع بسعر زهيد؛ لأنه، بسيط، ولم يصرف عليه، لا مال، ولا وقت، لتعليمه مهارات مميَّزة بالطّيران، والتَّسلّق، أو غيرها، من أشكال التّدريب لما يريده أهل البيت!...

فعندما يؤتى به إلى المنزل ، وهو داخل قفصٍ جميل؛ بقصد إسعاد الأطفال؛ تكون الجريمة بحقِّ الطبيعة، قد وقعت!... فآسر الطَّير سعيدٌ بما جلب، لا بقصد إلحاق الأذى؛ بل لمفهومه المؤكّد، بأنّ هذا الكائن، لا يعرف غير هذا!... فهو لم يعش في عائلة، ولا يعرف عن الفضاء، ووسعها ولا أيّة معلومة ؛ ليطمح إلى غير هذا القفص!... فلذلك، هو مكتفٍ بما يقدَّم له؛ من مأكل، أو مشرب ؛ وبالتَّنقّل من جانبٍ، إلى جانب آخر، أو بالقفز إلى الأعلى؛ في مسكنه المحدَّد بالأشرطة، إلى الأسفل؛ حيث تتجمع البذور « المرشوشة» فينقدها، وبعدها، يعبّ، من أنبوب فيه ماء؛ ما هو بحاجةٍ إليه!... وبعد أن يشرب، يصطدم بشيء ممّا علق له؛ ثم يرتاح قليلاً، قبل أن يغرِّد!...

فرحٌ، ما بعده فرح، يغمر قلوب جميع من في الدَّار!... فالأطفال يتسابقون لتعليق شرائح الخيار، أو أوراق الملفوف، والخسّ، على التّعاليق المثبتة بألواح صغيرة، من على جوانب القفص!... والكبار، هم في حالة القرفصاء، ثمَّ القيام؛ لعدّة مرَّات، لجمع ما تطاير من فضلات الطّير؛ إن من الرَّيش، أو الزَّغب، أو من بقايا الحبوب الموضوعة له؛ لكي يأكل!...

فهمّ سيَّدة البيت، هو أن تجمع كلّ ما بعثره الطَّير، على الأرض؛ فتلتقط منها الواحدة، تلو الأخرى، وترمي بها، إلى الخارج، أو تستدير، في مكانها، وتقذف بها، مع الباقي من المهملات؛ لتدخل الزّبالة، من خلف الباب، مباشرةً إلى السَّلَّة!... فطن أحد الأطفال، وطلب من الأهل كناراً آخر، ليكون للأوَّل الرَّفيق!...

فكان له ما أراد، ولكن في استقلاليّة تامَّة!... فقد حدِّد الهدف، وأصبح لكلِّ طائرٍ مسكنه المنفرد، الذي هو مختلفٌ بألوان الرِّيش؛ كما في ألوان شرائط القفص!... واحدٌ من اللَّون الأصفر، والآخر، رماديّ!... فصوت هذا الأخير يصدح صدح تردادٍ لشيءٍ منه مفقود، وعنه جاء البديل!... فهو مرتابٌ لأمر؛ فيه مرساةٌ لحالٍ، ورقَّة مكلومٍ؛ من جرح عاشقٍ؛ قد أبعد قسراً، عن مسكن، كان له فيه مأوىً!... وهو الآن يناجي ما افتقده؛ باكياً، أو شاكياً، أو غارقاً بالنَّحيب!... شهرٌ، من عمر الطيرين، قد ولَّى، وانقضى!... بعدها، لم يعد يسمع لهما أيّ غناء، ممَّا ترتَّب عليهما، كعصفورين!... فمهمَّتهما هي الزَّقزقة!... سأل الأطفال عن سبب هذا الانقطاع؛ فقيل لهم، بأنَّ للطيور فصل راحةٍ؛ لتبديل الريش، وتجميع الطّاقة؛ ومن أجل تقوية البنية، واستنبات زغبٍ جديد؛ وبألوان أزهى، وأقوى!... اقتنع الأولاد بهذه الأقوال، وغادروا المكان، ونسوا، لمدَّةٍ، بأنَّ في الصّالة يوجد حقل طيران لطيرين، فهما لم يعودا كما كانا!... طيران، لا يلتقيان أبداً، ولكنَّهما يتمتَّعان بنعمة البصر، وكذلك لا تنقصهما البقية الباقية من النِّعم!.. فلماذا لا يسكنان معاً؛ القفص الواحد!؟... هذا، إن لم يكن للحبس من مخرج؟!.... ولماذا هذا القيد المحكم، على القلب، وعلى البدن؟!...

وهل من يأسر طبيعة المخلوقات، يستطيع بأن يكون أهلاً للتَّسمية بأنَّه: «من البشر»؟!... وآتٍ من خلقٍ؛ هم أهلٌ؛ ولهم عظامٌ، ولحمٌ، ودمّ؟!...

الصفحات