قراءة كتاب بياض الليل سواد النهار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بياض الليل سواد النهار

بياض الليل سواد النهار

كتاب " بياض الليل سواد النهار " ، تأليف غادة صديق رسول ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، من أجواء الرواية نقرأ:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 8

– سبق أن أخبرتني، نقلاً عن أحد الأقرباء المعمّرين أنها وصلت بعد وفاة إحدى قريباتها إلى هذه البلدة.

– لا أزال أذكر تفاصيل الليلة التي عزمت فيها على تقصي أخبار الخاتون؛ كنا قد سهرنا يومها في خان الشط برفقة أحد الرحالة الذي وفد إلى الموصل من بلاد الشام. وكان الحديث عن الأحداث الغريبة التي يفسرها كل إنسان حسب هواه. فتذكرتها فوراً... امرأة ثرية جميلة، ترفض الزواج، تسكن لوحدها في مزرعة ضخمة، ليس لديها أصدقاء أو أقرباء يطرقون بابها. وتعيش من أجل الربا الذي تمارسه إضافة إلى أشياء أخرى مثل تجارتها المشبوهة، ومنازلها المنتشرة في العراق وبقية البلدان، والتي تزعم أنها تؤجرها. أذكر حين كنت طفلاً صغيراً أنها سافرت مرة سفراً استغرق منها خمسة أعوام، وعادت بعربات محملة بصناديق لم يعلم حتى العاملين في دارها ماذا تضم. أذكر أني جريت بجانب العربة التي حملتها حين عادت، ورأيت وجهها، كان عمرها في حدود الخمسين عاماً، لم تكن شابة، لكنها كانت شديدة الجمال، صافية البشرة.

– هل هذا هو السبب الذي دفعك للتحري عنها؟

– لم أسرد قصتها تلك الليلة، قلت لنفسي يا رجل تأكد في البداية، فللحديث أمانة، وهذا هو نصف السبب الذي دفعني فيما بعد للتوجه إلى ابنة عمّ أبي التي جاوز عمرها المائة، لكنها مع ذلك لا تزال تتمتع بذاكرة يحسدها عليها الشباب، وبوعيها كما هو. قالت الحاجة سعاد إنها شهدت وفاة قريبة بعيدة لزبيدة خاتون عاشت أكثر من تسعين عاماً هنا، وكان أبناء البلدة يتساءلون إلى أين سيذهب هذا الإرث الضخم من الأراضي والمزارع وليرات الذهب العثمانية. لكن قريبة لها حضرت فوراً لتضع حداً لحيرتهم، وتسلمت أمر المزرعة. هذه القريبة تكون عمّة زبيدة. كانت الحجية سعاد مراهقة خطبت توّاً حينما قدمت هذه العمّّة إلى البلدة، وحين ماتت (قالت الحجية سعاد إنها قتلت نفسها لأنها وقعت في حبّ أحد التفنكجية الذي عاش في البلدة بضعة أشهر إثر إصابته بجرح في معركة). قالت أيضاً إن زبيدة خاتون وفدت البلدة لأول مرة بعد وفاة تلك القريبة، وإنها كانت شابة جميلة، تشبه الميتة! أسبابي الأخرى للتقصي عن زبيدة خاتون قد تبدو لك واهية.

– لكني أرغب في معرفة حتى تلك الأسباب الواهية، أتشبه أسباب حاجي؟

– أصبت كبد الحقيقة، ولا بد أن هذا قد حصل معك أنت أيضاً... بحضورها يشعر المرء أنه يختنق، وتغلي في وجدانه كل الأحزان التي عصرت فؤاده، حتى تلك البعيدة.

– متى كان هذا اللقاء؟ الحجية سعاد ماتت منذ خمسة أعوام.

– قبل أكثر من خمسة عشر عاماً... كنت حينئذ شاباً ولم تكن صلعتي قد ولدت بعد.

جلس أحمد أفندي إلى جوار النافذة ساهماً ينظر إلى الأفق، أما ابن الأخ فقد تناول دفتراً صغيراً أخرجه من درج الدولاب الضخم، وجلس يخربش على إحدى صفحاته بعض الكلمات. مرت بضع دقائق قبل أن يسأله سلطان مستفسراً:

– ما هو اسم القريبة الأولى التي تذكر الحجية سعاد مقدمها؟

– لم أعد أذكره، لكن اسم عمّة زبيدة خاتون هو صفية.

– وتسلسل سارة من النساء غريبات الأطوار هو...؟

فكر العمّ واستخدم أصابع يده اليمنى، وهو يشير إلى سبابته قال والتفكير جلي عليه لدرجة مضحكة: (بلا اسم). وواصل إلى الإصبع الوسطى: (صفية). وأطلق على البنصر اسم: (زبيدة). وتبقى للخنصر الاسم الأخير: (سارة). صرخ العمّ صرخة المنتصر:

– سارة تحمل الرقم أربعة.

– هي رابع امرأة غريبة تأتي إلى البلدة إذاً.

سجل سلطان أفندي هذا في دفتره بحرص، ثم نهض عن منضدة الكتابة ووضع الدفتر الصغير قرب سريره. عاد للجلوس قرب عمّه وهو يفكر من جديد، مرت بضع دقائق قبل أن يتحدث:

– كانت عربية زبيدة خاتون سليمة، وهي تجيد التحدث بالكردية والتركمانية. تغير لهجتها إذا ما تحدثت مع أحد المواصلة إلى الموصلية القحية التي لا يجيدها الغرباء، ولهجتها متقنة. سمعتها مرة تتحدث البغدادية مع سباهي حضر إلى هنا مع وفد لخطبة إحدى نساء البلدة، ولهجتها البغدادية كانت رائعة أيضاً. لكن...

– لكنك متأكد أنها ليست عربية، ولا كردية، ولا حتى تركمانية. أليس كذلك.

– بالضبط... بالضبط. هناك زلة ما تشي بأنها ليست عربية، وسألت حاجي قبل أعوام عن سلامة لهجتها الكردية فأكد لي أن المرأة بالتأكيد ليست كردية. ما أريد قوله إن هذه المرأة حين كانت طفلة لم تكن إحدى هذه اللغات لغتها التي تعلمت النطق بها!

الصفحات