قراءة كتاب بياض الليل سواد النهار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
بياض الليل سواد النهار

بياض الليل سواد النهار

كتاب " بياض الليل سواد النهار " ، تأليف غادة صديق رسول ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2013 ، من أجواء الرواية نقرأ:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

[3]

كان مسعود يستعد لشن حرب ضد أخويه الأكبر والأوسط، لأنه لم يجد في صينية الطعام حين عاد إلى المنزل شيئاً غير عظام دجاج خالية حتى من قطعة صغيرة من اللحم. أوشك على البكاء فالجوع كافر، لكنه شحذ قواه وحقده وانقض عليهما بالشتائم وهو يزمجر: (يا لكما من حيوانين قذرين، ألست إنساناً، ألست بأخيكما، لماذا لم تقضما العظام بعد أن لحستما الأطباق؟). تلبد الجو فجأة لأن عبد الله كان عليه أن يجيب عن الإهانة فوراً ، فرد بغضب: (لم أشبع بعد أيها القرد الصغير، وسآكل لسانك الذي طال فجأة).

بحث مسعود في خوان الخبز عن بقايا طعام فلم يجد شيئاً، لم يتبق أمامه إلا حل من اثنين، إما أن ينخرط بالبكاء، وإما أن يتقاتل مع أخويه اللذين استأثرا بهذه الوجبة التي لا تحظى بها معدة أهل هذه الدار المعدمة دائماً. كان يشعر بالظلم، فبحث عن أمه في الغرفة والإيوان لينفس عن غضبه ويعاتبها، وحين لم يجدها، عاد إلى الغرفة ليجد أخاه الأوسط يتحدث ويضحك مع عبد الله وهو يلتف بغطاء صوفي سميك. استفزه هذا المنظر فهجم فوراً على عنقه يريد خنقه، وقد أنساه الغضب الفرق بين حجم جسده الطفل، وحجم أخيه المراهق ذي الخمسة عشر عاماً.

لم يكن صعباً على خصمه الموقت أن يقلبه فوراً على ظهره، ويضغط ساعديه النحيلين ليثبته وهو بلا حول ولا قوة إلى الأرض، وهو يكيل له الصفعات ناعتاً إياه بشتائم بسيطة تلائم درجة غضب أعصابه التي لم تكن قد باشرت بالغليان بعد. جذبت أصوات العراك الأم التي كانت منهمكة في تهيئة وجبة من الحنطة لتطحنها من أجل إعداد الخبز.

– ما الذي حدث، ألا تخجلان من نفسيكما؟

صرخ مسعود الطفل وهو يغالب نفسه وينهاها عن البكاء:

– الله لا يرضى بالظلم.

تدخلت سعادة غير السعيدة في أغلب الأحيان، بين الطرفين المتعاركين؛ في الواقع لم يكن مسعود يملك أي عضلة يتعارك بها ويصد جبروت قوة الأخ الذي استفزه، لكنه كان يقاوم ويرفس بقدميه فقط. حين فكت كفي ابنها الأوسط عن عنق ابنها الأصغر، نهض الأول وهو يقول:

– القرد يتحدث عن الظلم، لقد نسي كل شيئ عن احترام إخوته الكبار، سأعلمك الأدب يا من كنت تبلل فراشك وتنهض وثيابك تفوح برائحة نتنة. رحم الله أياماً كان لفراشك فيها رائحة زريبة مكتظة بالحمير.

– إخرس يا لص الطعام، يا من كنت تلوك الخبز تحت الغطاء ونحن نيام، كي لا نجد شيئاً نفك به ريقنا حين نستيقظ.

أنهضت الأم ولدها الصغير من على الأرض، ووقفت بين الاثنين من باب الاحتياط، قبل أن تقول لمسعود وهي ترتب خصلات شعره المتشابكة:

– العجلة من الشيطان يا بني، نصيبك من الطعام مخبأ في أحد القدور في غرفة المئونة، إغسل وجهك لنأكل معاً، لم أقدر على الأكل وأنت خارج المنزل.

ثم التفتت إلى الأوسط وقالت له بحزم:

– يكفي هذا يا عبد الحق، طوال النهار أعمل من دار لأخرى وأعود مهدودة القوى إلى منزلي ممنية نفسي ببعض الراحة، لأجدكما تتعمدان إحراق أعصابي، الصغير عَجول متهور، والكبار بلا رحمة ولا عقل.

صمت المراهق وتناول صديرية الصوف ليرتديها استعداداً للخروج من الدار، ليلحق به عبد الله فوراً . وحين سمع صوت اصطفاق باب الدار، خرج مسعود من الغرفة ليغسل وجهه، لم يبقَ في الغرفة غير الأم التي تنفست الصعداء وقالت لنفسها بصوت مسموع: (لم أربهم على هذا! لم أقسُ على واحد منهم يوماً، وهذه دروس الأزقة وساحات التسكع، رحمتك يا أرحم الراحمين). ثم حملت الصينية النحاسية وخرجت هي الأخرى لتغسلها.

في الباحة صادفت مسعود الذي كان يغسل وجهه. توقفت عنده وسألته: (ماذا يؤلمك؟). (وجهي) أخبرها الطفل وهو يحاول جسَّ وجهه تحديد البقعة التي تؤلمه. رفعت وجهه إلى أعلى لتستعين بضوء الشمس المتبقي الشاحب وأمسكت بذقن الطفل بسبابتها وإبهامها، رأت بعض الخدوش الفاتحة اللون وكدمة بالقرب من أسفل عينه اليمنى. قبلت جبين الولد فطمأنته (لا شيء خطير يا عيني). في حين قالت لنفسها: (هذه الكدمات والخدوش الفاتحة ستصبح قاتمة بحلول صباح يوم الغد).

الصفحات