"يوميّات شفق الزّغلول" نصّ طويل يعيد نسج الكينونة الفلسطينيّة المتمزّقة بفعل الحدود وألعاب السّياسة والجغرافيا، بالإضافة إلى محاولته تأريخ هذه الكينونة بكلّ ثقلها المادّيّ والرّمزيّ بأسلوب استعاريّ لا يُلغي البُعد التّسجيليّ الوظيفيّ.
أنت هنا
قراءة كتاب يوميّاتُ شَفَقِ الزَّغْلُول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
اللغة: العربية
الصفحة رقم: 4
مدخل
عصفور الشّمس يرفرف
صوته هو المتنسّك بمعبدها عناة الأرض يشِرُّ من جوار العتمة الكالحة.. ويجرّ ياقوت الكلام من خلف النّبض.. ومنه تعلَق رائحة العشب في خبايا أوعية الدّم الّتي تجاور صرح ضلوعها الأرض، حيث شجيرات صحراويّة كالقريقدان بزهرتها الصّفراء، الخوريّة بأوراقها الخضراء اللحميّة، الزّيتة بأغصانها المنتصبة، العوسج العربيّ بأزهارها الزّرقاء والليلكيّة، الغِيل بأوراقها الرّمحيّة المزغّبة بلونها الأبيض، المتنانة بأغصانها ذات القشرة القويّة جدًّا، الكوكلوس بثمرتها الحمراء، الحيصل بأغصانها الشّوكيّة، "أبو سِلّة" بلونها الورديّ، الغضا الّتي تتفتح في الرّبيع والصّيف، والعُشّير المغطّاة أغصانها بطبقة سميكة من الفلّين.
ها صداه الرّخيمُ يتسلّق مهبّ الرّيح كنبات البورهافيا ذات الزّهرة مركّبة الشّكل في الجهة مسفوكة الورد، الّتي تتسلّقها العلنديّات وتشكّل فوقها نسيجًا من حمرة الحراشف وهي تغلّف أزهارها: صداه الشّبيه بتغريد عصفور الشّمس الفلسطينيّ بحجمه الصّغير كالفراشة، الملوّن ببريق الأزرق والأخضر والبنفسجيّ والّذي يمتصّ الرّحيق بمنقاره من الزّهرات طويلات العنق.. ويظلّ يغرّد ويغردّ وهو يضرب بجناحيه ويرفرف عاليًا..
هو العصفور المقيم في هذا الفضاء، يمرّ على صفحة بحيرة قد تكون بحيرة طبريّا أو الحُولة الّتي يجتمع فيها نبات القصّيب والطّيّون ذي الأزهار اللسانيّة الصّفراء الطّويلة وأقراص ثمر السَّمّور المجنّحة.. وعلبةٌ حبريّة حبّاريّة مُسبَلةٌ تتريّضُ بَخّاخةً لِيَد محترفة، تختار أن تخضخض العلبة بِجُمل راكدة تعتلي حِنّاء الجدران الباسقة الشّامخة المتحرّشة بأطراف حدود الشّوارع وحفنات الأزقّة والحواري.. وقد طرّزت يد المتنسّك الملثّمة البخّاخة على الحيطان بمداهنة طير الشّرقرق والعصفورة الرّماديّة أنثى عصفور الشّمس، يوم كانت زهيّة لا تزال تتصفّح أوراقًا مشبوبة بالأحداث الأخيرة، الممهورة باسم إحدى بنات فاطمة ناجي العلي، ولا يزال حبرها يفيض في ممرّ المياه الملتبسة بفنار السّماء.
وسماءٌ ترقصُ على رأسِ إبرتي أنا الجليلة العظيمة.. أنا الكاهنة.