كتاب " الأوديسة " ، تأليف هوميروس ترجمه إلى العربية دريني خشبة ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الأوديسة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأوديسة
«أيها الناس! يا أبناء إيثاكا! اسمعوا وعوا! ليحذر الخطاب الغافلون ما يخبئ لهم الغيب من شر أوشك أن ينقذف على رؤوسهم! إن أوديسيوس حي يرزق، وإنه عائد إلى وطنه، بل إنه ليغذ السير إلى هنا! وإنه ليحمل الموت الأحمر إلى خصومه، والخير الأخضر إلى مواطنيه! أنا ماليتير، قديسكم الذي لا يكذب قد أنبأته قبل أن يبحر إلى طروادة بذلك النبأ وإنه عائد إلى وطنه بعد أن ينتصر على أعدائه، ويذيقهم ضعف ما صنعوا ولن يجديهم أن يتوبوا أو يندموا... وليأتينكم نبؤه بعد حين!».
وسخر القوم منه واستهزأوا به. وقام بوريماك يرجمه بهذه الكلمات: «انقلب إلى دارك أيها العجوز الخرف! هلم إلى أحفادك الكسالى فتنبأ لهم بما ينبغي أن يأخذوا حذرهم منه! لقد قصف المنون عود أوديسيوس الفينان، فليته قصف عودك كذلك! طير؟! ها! إن الطير طالما يستنسر في سماء إيثاكا؟ إن أكبر الظن أنك تطمع في منحة من بن مولاك تليماك.. ولكن اصغ إليّ، لتكن لك منحة منا إن تنبأت له عما يكاد يذهب بك وبه من بطشتنا إن لم يختر لنفسه! أسمعت؟ لقد نصحنا له أن يرسل أمه إلى بيت أبيها ليختار لها الكفء. الذي ترضى، فلم ينتصح وأنا أرسلها كلمة صريحة في غير مين، إننا لن نبرح عاكفين على ما نحن فيه من هذا الخير، حتى تخضع بنلوب، فنمضي مأجورين.. وثق، أيها الشيخ المهيب الخرف أن نبوءاتك لن تفزعنا، بل هي تضاعف سخطنا عليك، وبغضاءنا لك... ألا ما أطيب الإقامة هنا؟! لتزدد بنلوب عنادًا، فإنا لا نزداد إلا جلادًا...».
ونهض تليماك فقال:
«على رسلك يا يوريماخوس! وعلى رسلكم أيها الخطاب جميعًا... لقد أرسلتها كلمة حق فلم تستمعوا لها! أبدًا لن أضرع إليكم مرة أخرى... الآلهة بيني وبينكم، والإغريق أجمع أعلم بأمري وأمركم؛ غير أن لي طلبة إليكم بودي لو أنلتموني إياها.. فهل تسمحون بمركب وعشرين بحارًا فأقلع من فوري هذا إلى بيلوس ثم إلى أسبرطة، عسى أن أسمع خبرًا عن أبي، أو أتلقف نبوءة من سيد الأولمب الذي بيده ملكوت كل شيء... إني إذا أيقنت أن أبي لا يزال حيًا فقد أوفق إلى العثور به ولو بعد حين، أما إذا استيقنت من هلاكه فإني عائد إلى إيثاكا، فمقيم له نصبًا يتفق وهذا المجد الباذخ والذكر التليد، ثم يكون لي مطلق الحرية في منح أحدكم يد أمي فتكون زوجه المخلصة إلى الأبد، بعد أن أتم لأبي كل المراسم الجنائزية، لتقر روحه العظيمة، وتسكن إلى ربها في ظلال هيدز(20).
وكان في المجتمعين رجل تبدو عليه مخايل النبل، وفي رأسه جمرات المشيب، تهالك على نفسه حين وقف ينافح عن تليماك فإذا هو الشيخ منطور، الذي كان أوديسيوس قد استخلفه على أهله قبل إبحاره إلى طروادة، لصداقة قوية كانت تجمع بينهما... قال منطور:
«اسمعوا إليّ يا أهل إيثاكا! مالكم اليوم قد نسيتم آلاء ملككم أوديسيوس عليكم، وهو الذي كان يرعاكم كأب، ويغدق عليكم من فيضه العميم؟ ما لكم قد تقاعستم دون هؤلاء الخطاب الذين يذهبون بخير مولاكم ويأكلون مال ابنه بغير الحق، وهم قلٌ وأنتم كثر، آمنين مطمئنين، لا يرهبون أوبة مفاجئة من البطل الشريد...؟».
وهاجت كلمة الرجل كوامن الخطاب فهب أحدهم وهو ليوكريتوس، يقول:
«رويدك يا منطور! أيها الثرثار العجول! كيف تجرؤ أيها الرجل فتثير الشعب على الخطاب وهم سادتك؟ هل أعجبتك كثرتهم يا منطور؟ إذن فأبشر بعجزهم دون ما ابتغيت، وثق أن ملك إيثاكا نفسه لن يستطيع معهم شيئا إذا حاول إخراجهم من بيته هذا، إذا قدر له يومًا أن يعود، إنه إذا فعل فسيذوق وبال أمره، ولن تنال منا حماقتك ولا نبوءات هاليتير، وبنلوب نفسها لن تسر بأوبة أوديسيوس؛ ولكن اسمع أيها الشيخ، إنه لن يضيرنا أن يذهب تليماخوس فيذرع البحر باحثًا عن والده، وله أن يتخير من السفن ما يشاء..».
وتفرق القوم، وأسرع الخطاب إلى خيامهم، وانقلب تليماك إلى شاطئ البحر، حيث وقف فوق صخرة ناتئة يناجي مينرفا:
«أيتها الربة المباركة! يا إلهة الحكمة مينرفا! يا من كنت أمس ضيفة مكرمة تحت سقف هذا البيت؛ أصلي لك، أنا تليماخوس التعس، وأبتهل أن تباركيني وتسددي خطواتي، وأن تكوني رائدي الأمين في عباب هذا البحر، وأن تشدي أزري وتكوني معي إلبًا على هؤلاء الفساق العرابيد، وأن تشرقي في ظلماتي البعيدة، وأن تحلي أمنًا وسلامًا عليّ... يا مينرفا، يا مينرفا، استجيبي يا ربة العدالة...».
واستجابت مينرفا، وأقبلت في صورة الأمين منطور حتى كانت قبالة تليماك، ثم شرعت تكلمه كلمات هن أروح من أنفاس الفجر، وأدنى من نسمات الورد، وأعذب من قطرات الندى:
السلام عليك يا تليماخوس! السلام عليك حين تثبت أنك ابن أوديسيوس الوفي وفرع دوحته الوارف، وحين تبدو فيك بدوات من حوله وطوله وقوة بأسه، وحين تقلع على بركة السماء وفي عناية الآلهة ورعاية سيد الأولمب؛ في رحلة لن تكون عبثًا... أنت ابن أبيك يا تليماك.. أتى بك من بنلوب... وآية ذلك هذه الروح القلقة التي تشيع فيك من أجله، هذا الجبروت الذي هو نفحة منه، وذلك الصوت الجبار الذي يتلجلج في فمك كأنه فيض من لسانه، وذلك الذكاء الوقاد الذي هو قبس من ذهنه العظيم... بشراك يا تليماك! لا يحزنك خيال أعدائك فقد أوشك القضاء أن ينقض على رؤوسهم فيحطمهم... أنا.. أنا هذا الشيخ المهدم، صديق أبيك وأمينه منطور، سأكون معك، وسأخدمك، وأسهر عليك، وأفديك، لكن لتمض الآن فلتعد للرحلة ما هو حسبها من زاد وعتاد، ونخبة أولى بأس من رجالك الأقوياء، سأنتقي أنا نفسي أشدهم مراسًا وأصدقهم عزيمة... امض على بركة الآلهة... امض... لا وقت لدينا فنضيعه.. هلم...».