كتاب " الأوديسة " ، تأليف هوميروس ترجمه إلى العربية دريني خشبة ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب الأوديسة
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
الأوديسة
«مرحبًا بك أيها الضيف المكرم! لقد شرفت في عيد نبتيون، وبودنا لو أفرغت باسمه ما في هذه الكأس من شراب صلاة له وزكاة! ونرجو لو أشركت في التقدمة زميلك، فما أحسبه إلا محبًا للآلهة، خابتًا لها».
وتبسمت مينرفا، وتناولت الكأس في وقار، وأرسلت هذه الصلاة باسم رب البحار:
«نبتيون العظيم تقدس اسمك، وأحاط بالدنيا ملكوتك.. يا منقذ الضالين ومغيث المتضرعين، أدرك بلطفك التائبين إليك، ونجهم من دأمائك(25) ببركة أسمائك، مولاي وتقبل من نسطور ومن ذريته، وتقبل من جميع أهل بيلوس أضحياتهم، ثم تفضل يا مولاي فسدد خطى تليماخوس وخطاي إلى ما أقلعنا فوق هذا المركب الشاحب من أجله... آمين آمين!».
تناول تليماخوس الكأس بدوره، ثم أفرغ ما فيها، وتمتم بصلاة قصيرة؛ وما كاد يفرغ حتى تفرق المدعوون من أهل بيلوس طاعمين شاكرين، إلا مينرفا وصاحبها، وإلا نسطور وولديه... ثم قال نسطور:
«أما وقد فرغنا من غذائنا فماذا أيها الوافدون؟ من أنتم؟ ومن أين حملكم هذا البحر؟ أتجار أنتم؟ أم قرصان تملأون الشطئان ذعرًا وفزعا؟».
واستجمع تليماك شجاعته، ونفخت فيه مينرفا من روحها، وتكلم فقال:
«على هينتك يا ابن نليوس العظيم، يا فخر هيلاس؛ إني أنا ابن صديقك وصفيك أوديسيوس، سعيت إليك من أقصى الأرض أسائلك عن أبي! أبي! صفيك وخليلك الذي صال معك تحت أسوار إليوم وجال، ثم لا أحد يعرف من أنبائه اليوم شيئًا! لقد انتهت إلينا أخبار الأبطال اليونانيين جميعًا وعرفنا مصارعهم، إلا إياه... أين رقد؟ وأنى ثوي؟ وأيان قرت رفاته إن كان قد شالت نعامته(26)، أو مضى على وجهه في الأرض إن كان لا يزال حيًا.. إن الآلهة نفسها لا تشاء أن تدلنا من أخباره على أثر. ولشد ما أخشى أن يكون قد ثوي هناك.. في أعماق مملكه نبتيون، مع الجميلة امفتريت(27) لذلك سعيت إليك يا فخر هيلاس كيما تحدثني عن أبي، وكيما تذكر لي بعض ما تعرف عما ألم به إن كنت قد شهدته، أو تقص على ما عسى أن تكون قد سمعته من بعض حاشيتك التي تجوب هذه البحار. قل تحدث يا نسطور، ولا تخف عني شيئًا...قل إني أستحلفك بكل ما كان يفتديكم به في ساحة إليوم أن تقص عليّ أنباءه. لقد كان يحبك ويجلك ويوقرك، فاجز ابنه بعض ذلك».
وكأنما رأى نسطور حلمًا لذيذًا فقال:
«ويحك أيها الصديق الشاب! ما أروع ما هجت ذكريات الماضي المفعم بالأشجان! ذكريات السادة الذادة والمغاوير الصناديد، الذين سقطوا تحت أسوار إليوم العتيدة فأرووا ثرى الميدان بدمائهم وسطروا آية المجد بمهجهم! إيه اخيلوس يا سليل الآلهة؛ وبتروكاوس يا معجز الأنداد والأقران؛ وأجاكس! أجاكس الذي كان أمة وحده! لقد رقدوا جميعًا تحت قلاع بريام الجبار الشيخ! ورقد معهم ولدي! آه يا ولدي! أو آه يا قطعة قلبي وفلذة كبدي وثمرة حياتي وسؤددي! يا أشجع الشجعان يا أنتيلوخوس! أية قصة وأية مأساة؟! يارعاك الله أيها الشاب المحزون! أني لي أن أقص عليك أحداث سنين تسع كانت همومًا متصلة وأحزانًا فاجعة وآلاما تتسعر في جميع القلوب؟! أي لسان ذرب يقص فلا يمل، وأي فم رطب يحكي وما يعي؟ ألا لو أنك أقمت تسمع الأعوام الطوال فما أحسب القصة تنتهي! القصة التي لم تجد فيها شجاعة الألوف لولا خدعة أوديسيوس وحيلته، وطول أناته وهمته! ولكن حدثني بربك أيها الشاب: إنك حقًا لولد أوديسيوس؟ أجل! إنك بملامحك وقسماتك غصن دوحته، وأنك بكلماتك العذاب عسلوج أرومته! أوه، أوديسيوس! يا رفيق الشباب وحبيب القلب! لشد ما تعتلج في النفس تلك الخاتمة الهائلة التي قضاها على الأرجيف(28) سيد الأولمب بعد انتصارهم، وقبيل أوبتهم! لقد حنقت مينرفا على ولَدَي أتريوس إذ تنازعا فقال قائل منهما نضحي لربة العدالة عند سيف البحر تلقاء إليوم. ولكن الآخر أبى، وأبحر على أن يقدم لها القرابين في آرجوس! ياللتعيسين! أجاممنون البائس ومنلوس المسكين! إنهما لم يصليا لمينرفا فحاق بهما غضبها، وعبثًا حاولا بعد ذلك أن يترضياها! اختلف الأخوان ونام الجند حتى مطلع الفجر، ثم أقلع نصف الأسطول في موج ثائر مصطخب من غضب الآلهة، بقيادة أجاممنون، وما هي إلا سويعات حتى هدأ اليم ونام الموج؛ وبلغنا تندوس فذبحنا الأضحيات باسم الآلهة، وسبحنا لرب البحار نبتيون، فتطامن العباب؛ ولكنا ما كنا ندري ما تنسجه يد جوف(29) حولنا، بل لم يكن يخامرنا أقل شك في وصولنا إلى الوطن سالمين. ذلك أن أوجه النظر اختلفت ثمة، ونشب بين القادة نزاع في الرأي: هل يقلعون من تندوس، أو يتلبثون بها حتى تنجلي العاصفة التي شرعت تهب في عنفوان وشدة؟ وهنا، آثر ملاحو أبيك أن يعودوا أدراجهم بسفائنهم إلى طروادة، وذلك مجاملة للقائد العام. بيد أني لم أر هذا الرأي، بل فررت من العاصفة بسفائني إلى جزيرة لسبوس ولحق بنا ديوميد، ثم وصل منلوس في إثره؛ وأرسينا ثمة؛ وانتظرنا إذنًا من السماء، أو قل بارقة من الآلهة، نقلع بعدها، وكانت العاصفة تشتد وترقص فوقنا ومن تحت أساطيلنا، فلم نر بدًا من المجازفة وإلا تكسرت جوارينا على الصخور وفوق الأواذيّ(30)، ياللهول! لقد بلغت قلوبنا الحناجر قبل أن نصل إلى جيريستوس! حمدًا لك يا نبتيون وثناء عليك؛ وقل أن نذبح باسمك ألف قربان من كل عجل جسد وكبش حنيذ! ولقد فاز ديوميد فوصل بجنوده سالمًا إلى آرجوس، وكذلك فاز الجبابرة الميرميدون، جنود أخيل، بقيادة شبله العظيم نيو بتوليموس، فوصلوا إلى أوطانهم غانمين، ووصل من بعدهم فيلوكتيتيس... كذلك وصل أجاممنون وليته لم يصل! لا ريب أنك سمعت بما حاق به! لقد قتله المجرم إيجستوس(31) ولكنه دفع روحه ثمنًا لفعلته؛ إن العيش لم يطب لابن أجاممنون حتى ثأر لأبيه، فانقض كالصاعقة على قاتله وغاله بيده! ياللفخار أيها الصديق الشاب حين تنتقم لأبيك فتسجل اسمك في سجل الخالدين!».