أنت هنا

قراءة كتاب الأوديسة

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
الأوديسة

الأوديسة

كتاب " الأوديسة " ، تأليف هوميروس ترجمه إلى العربية دريني خشبة ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
4
Average: 4 (1 vote)
المؤلف:
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 8

وسكتت مينرفا... ولكن حرارة كلماتها أشرقت بالآمال في نفس تليماك، فذهب وقلبه يخفق بألف أمنية... إلى القصر... حيث رأى الخطاب يذبحون ويعدون نار الشواء، وحيث قفز أنتينوس للقائه ساخرًا مستهزئًا:

«تليماك! ناشدتك الآلهة إلا ما شاركتنا غداءنا وأطرحت بغضاءك هنيهة! هلم! خذ نصيبك من هذا الشراب أيها الصديق، لا يشغلك أمر هذه الرحلة... فقد أمرنا أن يعد لك الآخيون سفينة عظيمة وقدرًا من الزاد كبيرًا، وعصبة من الرجال أولي قوة... وسنبحر قريبًا فتذرع البحار وراء أبيك. هلم... هلم...».

ولكن تليماك عبس عبوسة قاتمة ثم قال:

«أنتينوس! إليك عني فما أستطيع مشاركة خصومي السفلة غداءهم ولا لي قلب فأشرب النخب من يدك! لا بورك لكم هذا الذبح الذي لا يحل لكم، والذي استبحتموه من غير حق، إذ أنا طفل أحبو... أجل! لأستعجلن لكم الخراب ولأسعين في حتفكم، ولأذهبن إلى بيلوس فأنتصر إذا عزني النصر في إيثاكا! أيها الذئاب! حتى سفائني وعتادي تنكرونها عليّ!».

وكان اللئيم قد أمسك بيمين تليماك كالمصافح المستهزئ، ولكن تليماك جذبها ساخطًا، وترك الكلاب تغمزه وتلمزه، وتستهزئ بهذا العون الذي يرجوه من بيلوس، وتلك الجحافل التي يأمل أن يجردها عليهم من أسبرطة.. «ومن يدري؟ فقد يهتدي إلى أيفير المثمرة، فيجد في أعشابها بقلة يدس لنا منها في كؤوسنا فتريحه منا...».. «... بل من يدري؟ فلقد يبتلعه اليم كما ابتلع أوديسيوس من قبل، وتكون هنالك الطامة! إنا إذن نقتسم هذا المتاع وتلك الضياع، ثم نمهر أحدنا الذي تختاره بنلوب بعلًا لها، بهذا القصر المنيف!...».

وتركهم تليماك، ومضى قدمًا إلى غرفة أبيه بالطابق العلوي، حيث كنوزه التي لا تقدر، من عدة للحرب وذهب مدخر، وخمرة معتقة، وروح اذفر، وخز وديباج، ودرّ وجوهر، ومغافر(21) أعدت لليوم المنتظر. يوم يعود أوديسيوس فيظفر ويقهر، ويطهر بيته من ذاك النفر..

ووجد عندها حارستها يوريكليا فصاح بها.

«ربيبة! يوريكليا! هيا! صبي من خمرك في زقاقي! من مدامتك التي أدخرتها لأبي... لا... لا... ليس من صفوتها يا ربيبة، احتفظي بصفوتها له، املئي اثنى عشر دنا، وهيئي عشرين جولقًا من دقيق، هيا.. أعديها كلها لتحمل إلى سفينتي بعد أن تنام الملكة... لا يعلمن أحد بأمر رحلتي إلى بيلوس وأسبرطة.. حتى ولا أمي! سأرحل ثمة.. سأتسمع أخبار...».

وصمت تليماك هنيهة.. واستعبرت ربيبته يوريكليا، وأرسلت هذه الكلمات على أجنحة من الحنان، وفي أنسام من الرحمة.

رويدك يا بني! أي سفر وأي نوى! لقد انتهى أوديسيوس وانتهى معه كل شيء! وهو اليوم رفات سحيق في رمس عميق في بلد لا نعرفه! أتسافر يا تليماك ليأتمر هؤلاء الذئاب، وقد يسلطون عليك من يغتالك، ثم يستصفون كل ما لك بعد ذلك؟ حاشك يا بني! لتبق معنا نحن الذين أحببناك واصطفيناك! فيم تذرع عباب هذا البحر ولا رجاء لك في مطمح ولا ثقة لك في شيء؟.

وأجاب تليماك في رفق:

«رويدك أنت يا ربيبة! إني لم أعتزم شيئًا من تلقاء نفسي... إنها السماء هي التي توحي إليّ! ولكني أستحلفك بكل أربابك ألا تقصي شيئا مما اعتزمه على أمي إلا بعد أحد عشر يومًا أو اثنى عشر يومًا من رحيلي... فإنها لو علمت بسفري لأظلمت في عينيها مباهج الحياة وذهبت نفسها على حسرات».

وأقسمت يوريكليا بكل أربابها، وانثنت تهيئ دنان الخمر وأحمال الدقيق.

أما مينرفا! أما ربة العدالة والحكمة الخالدة، ذات العينين الزبرجديتين، فقد يممت شطر البحر وقصدت إلى المرفأ حيث لقيت نويمون بن فرونيوس سيد الملاحين، وسألته إحدى جواريه المنشئات، فأعد لها واحدة من خيارها. وما كادت ذُكاء تلج في خدر الأفق، وما كاد الشفق يبكي فيصبغ بدموعه جبين السماء، حتى كان الملاحون قد هيأوا القلوع ونشروا الشراع، وخبروا مجاديفهم وحملوا عددهم، وتزودوا من السلاح؛ وكانت مينرفا نفسها تستحثهم، فسرعان أن تهادت السفينة، ورقصت نشوى فوق هامات الموج.

وذهبت مينرفا، في صورة منطور وفي طليسانه فأشرفت على عصية الخطاب؛ وتمتمت بكلمات فانتشر الظلام فوق خيامهم، ولعب النعاس ملء جفونهم، وكانت الكؤوس لا تزال تقهقه في أيديهم، فسقطت عن غير عمد لتسقي الأرض من تحتهم شرابا!

الصفحات