أنت هنا

قراءة كتاب دخان

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
دخان

دخان

كتاب " دخان " ،تأليف إيفان تورجنيف ترجمه إلى العربية شكري عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
دار النشر: دار التنوير
الصفحة رقم: 3

وحين جاءته فكرة «دخان» وهو يدلف إلى الخمسين، لم يستغرق في كتابتها وقتًا طويلا، وكأنه وجد سريعًا البديل الموضوعي لحالته النفسية. ومع أنه شكا في بعض خطاباته من الصعوبة التي وجدها عند بدء العمل، لطول انقطاعه عن الكتابة قبل ذلك، فإننا نجد فيها فنه الكامل، الذي جعل «تين» يقول عنه: «أنه أعظم فنان عرفته أوربا منذ سوفوكليس». فمهما سخر أو هجا فإن شخصياته تظل حية حياتها الخاصة، ولا تتحول قط إلى صور خشبية. ومهما ملأ حواره السياسي بالإشارات إلى حوادث معاصرة فإنه يعرف كيف وأين يضع هذا الحوار ليظل جزءًا متممًا لبناء الرواية الفني، وإن نسيت المناسبات التي يشير إليها. ويستطيع القارئ أن يمر بالهوامش التي أضفناها إلى هذه الترجمة ليتمثل الجو التاريخي للرواية، ويستطيع أن يتركها من دون أن يحس أنه ترك شيئًا لا بد منه لفهم الرواية نفسها. فالمناقشات السياسية والاجتماعية الخارجة عن الأحداث الرئيسية تؤدي وظيفتها الفنية الكاملة عن طريق التقابل وتخفيف التوتر والهارمونية، وما إليها من مبادئ شكلية أخرى يمكن أن تكون محلا للدراسة المفصلة، وتفهم في ضوء هذه التقابلات وإن لم يتحدد كل ما تشير إليه.

أما شخصية إيرينا فهي كما يقول عنها الناقد الإنجليزي أدوارد جارنت:

«إن سر هذا الخلق الممتاز هو أنها تجمع بين الخير والشر على سواء حتى لتبدو النسوة الخيرات بجانبها تافهات والنسوة الشريرات مصنوعات. وقد حبتها الطبيعة فتنة آسرة يزيدها الخيال بذلك الموقف الذي يستجد بينها وبين لتفينوف. فهي ترغب في السمو رغبة صادقة وتود لو تبلغ مثل الحب الأعلى الذي يتصوره قلب المرأة. ولكنها لا تقوى إلا على هدم الرجل الذي تحبه.. هل تستطيع أن تكون له بديلا من تاتيانا؟ كلا، أنها لا تستطيع أن تكون كذلك لأي رجل، فقد خلقت لتفسد من دون أن يمسها الفساد، وأنها لتسترد سلطانها على نفسها بعد لحظات اللذة الأولى، وأنها لتظل مشتهاة وإن لم تمنح قلبها كاملا للحبيب».

هذه شخصية مليئة بالحياة. ومع ذلك فقد نتساءل: هل مصدر هذه الحياة أن لها شخصيتها الفردية المتميزة التي نتمثلها في مواقف الهوى والغيرة والعناد والكبرياء والاندفاع والخيانة، أم مصدره أنها نموذج خيالي عام للمرأة الخالدة التي ترمز للحياة نفسها: «المرأة التي تفسد من دون أن يمسها الفساد.. وتظل مشتهاة وإن لم تمنح قلبها كاملا للحبيب؟» إن الجمع في إيرينا بين طرفي الخصوص والعموم مثل من أمثلة فن تورجنيف الناضج، وهو وحده كفيل بأن يحفظ لهذه الرواية مكانة ممتازة بين ذخائر الأدب الخالد.

شكري محمد عياد

دخان

ـ 1 ـ

حوالي الساعة العاشرة من عصر 10 أغسطس سنة 1862 كنت ترى كثيرًا من الناس محتشدين أمام «بهو السمر» الشهير في بادن بادن. وكان الجو رائقًا وكل ما يحيط في المكان يرتع جذلان في أشعة الشمس الحنون: الأشجار الخضراء، البيوت الزاهية الألوان في المدينة الأنيقة، الجبال المشرفة بقممها التي تشبه الموج. كل شيء كان يبسم في سرور مطمئن غافل، فتمس هذه البسمة الحنون الغامضة وجوه البشر شابة وهرمة، حَسَنة ودميمة. حتى وجوه بنات الهوى الباريسيات المبدرة المزوّقة لم تكن لتفسد هذا الجو المرح السعيد. وكانت أشرطتهن وريشهن، وشذرات الذهب والمعدن التي تلمع في قبعاتهن وبراقعهن، تمثل للعين أزهار الربيع المتألقة تميل بخفّة، وأجنحة الطيور ترف بألوان قوس قزح. ولكن الرطانة الفرنسية الصارخة التي كانت تُسمع من كل ناحية لم تكن لتماثل تغريد الطيور ولا لتقارَنَ به.

الصفحات