كتاب " دخان " ،تأليف إيفان تورجنيف ترجمه إلى العربية شكري عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب دخان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
دخان
ـ تشنيع؟ تشنيع؟ إن الأمير فاروشكن الذي كان هو أيضًا مدعوًا للعشاء على مائدة صديقك مينوف...
فقطعها جوباريوف بشدة:
ـ إن الأمير فاروشكن قريبي، ولكني لا أسمح له بدخول منزلي.. فلا ضرورة أيضًا لذكر اسمه.
فاستمرت مدام زوها نتشيكوف تقول وهي تحني رأسها بخضوع نحو جوباريوف:
ـ وثانيًا، إن براسكوفيا ياكوفلفنا نفسها أخبرتني بذلك.
ـ لقد وقعت على راوية أمينة! كيف! إنها هي وزاكيزوف أكبر مشنّعين على وجه البسيطة!
ـ معذرة، إن زاكيزوف كذاب بلا شك.. لقد سرق الكفن الحريري من تابوت أبيه، أنا لا أجادل في هذا، ولكن براسكوفيا ياكوفلفنا!.. شتّان ما بينهما! أنسيت كيف كان فراقها لزوجها فراقًا كريمًا؟ ولكنك دائمًا...
ـ كفى كفى يا ماترونا سميونوفنا. لنترك هذه الثرثرة ولنتحدث في موضوع أسمى. إنني لست ضئيل الخبرة بهذه الموضوعات كما تعلمين، هل قرأت «مدموازيل دولاكنتيني» هذه رائعة بلا ريب! وهي في الوقت نفسه تتفق مع مبادئك كل الاتفاق!
فأجابت مدام زوها نتشيكوف بجفاء وحدة:
ـ إنني لا أقرأ الروايات الآن مطلقًا.
ـ لماذا؟
ـ لأني لا أجد وقتًا لذلك. أنا لا أفكر إلا في شيء واحد: ماكينات الخياطة.
فسأل لتفينوف:
ـ ماكينات ماذا؟
ـ الخياطة.. الخياطة، يجب أن تحصل النساء جميعًا على ماكينات خياطة، وأن يؤلّفن جميعات، فبهذه الطريقة يستطعن أن يكسبن قوتَهُنّ ويظفرن باستقلالهن في أقصر وقت، وبغير هذا لن يحصلن على حريتهن. هذه مسألة اجتماعية هامة جدًا. لقد تناقشت فيها مع بولسلاف ستاد نتسكي، إن بولسلاف ستاد نتسكي شخصية ممتازة ولكنه يستخف بهذه المسائل.. لا همّ له إلا الضحك. أحمق!
فتكلم جوباريوف ببطء وفي نبرة تشبه نبرة حكيم أو نبي:
ـ سيأتي يومٌ يحاسَبُ فيه الجميع، ويُوَفّون ما عملوا.
فردد بمبايف:
ـ أجل، أجل، سيحاسَبون بالضبط.
ثم أردف بصوت خفيض:
ـ ولكن خبرني يا ستيبان نيكولايتش.. ماذا فعلت في كتابك الكبير؟
فأجاب جوباريوف عاقدًا حاجبيه:
ـ إنني أجمع المواد.
ثم التفت إلى لتفينوف الذي بدأ رأسه يدور من ضجة الأسماء الغريبة والتشنيع المحموم. وسأله عما يعنى به من الموضوعات، فأجابه لتفينوف عما سأل.
ـ آه بلا شك، العلوم الطبيعية، إنها نافعة إذا كانت نوعًا من التدريب، لا غاية في ذاتها، إن الغاية يجب أن تكون.. مم... يجب أن تكون... شيئًا آخر. هل تسمح لي أن أسألك عن آرائك الخاصة؟
ـ أي آراء؟
ـ آرائك أو بالأحرى آرائك السياسية، ما آراؤك السياسية؟
فابتسم لتفينوف وقال:
ـ إن شئت الحقيقة فليس لي آراء سياسية.
فرفع الرجل الضخم الجالس في الركن رأسه عند سماع هذه الكلمات ونظر إلى لتفينوف مليًا، وسأله جوباريوف بلطف:
ـ كيف؟ ألم تفكر في الأمر بعد، أم تراك تعبت من التفكير فيه؟
ـ لا أدري كيف أقول. ولكن يبدو لي أننا نحن الروس ما زلنا بعيدين عن أن تكون لنا أفكار سياسية، أو أن نتوهّم أن لنا مثل هذه الأفكار. وأود أن أنبّهك إلى أني أريد «بالسياسة» ذلك المعنى الذي تختص به هذه الكلمة، وأن...
فقاطعه جوباريوف بلطف أيضًا:
ـ آه! إنه لم ينضج بعد.
واتجه إلى فوروشيلوف وسأله هل قرأ البحث الذي أعطاه إياه؟ وكان الأمر الذي أدهش لتفينوف أن فوروشيلوف لم ينبس بكلمة منذ جاء، بل زوى حاجبيه وجعل يدير حدقتيه (ويظهر أنه كان معتادًا أن يخطب أو يلزم الصمت). فلما وجّه إليه جوباريوف ذلك السؤال شد صدره بحركة عسكرية وأومأ إيجابًا وهو يدق عقبيه.
ـ حسنًا. وكيف وجدته؟ هل أعجبك؟
أما من حيث المبادئ الأساسية فقد أعجبت به، غير أني لم أسلِّم بالنتائج.