كتاب " دخان " ،تأليف إيفان تورجنيف ترجمه إلى العربية شكري عياد ، والذي صدر عن دار التنوير عام 2013 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب دخان
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
دخان
ونهض بمبايف عن مقعده متثاقلًا. قال:
ـ حسنًا.. نشرب الآن قدحًا من القهوة، ثم نمضي مسرعين. وزاد وهو يجتاز العتبة ويشير في شيء من المرح بيده الحمراء اللينة إلى فورشيلوف ولتفينوف:
ـ هذه هي روسيا... بلادنا. ما قولكما فيها؟
فقال لتفينوف في نفسه: «حقًا إنها روسيا»، أما فوروشيلوف الذي استعار وجهه مظهر التفكير العميق، فقد ابتسم ثانية في ترفّع ودق عقبيه دقًا خفيفًا.
وبعد خمس دقائق كان ثلاثتهم يصعدون درج الفندق الذي يقيم في ستيبان نيكولايتش جوباريوف.. وكانت تنحدر على السلم نفسه سيدة فارعة القامة، رشيقة القد، تلبس قبعة ذات نقاب أسود قصير. فما إن بصرت بلتفينوف حتى التفتت إليه بغتة ووقفت وكأنما تملّكها الذهول، واحمرّ وجهها ثم شحب سريعًا تحت نقابه الأسود الكثيف. ولكن لتفينوف لم ينتبه إليها، فانطلقت تهبط الدرج مسرعة.
ـ 4 ـ
صاح بمبايف وهو يقدم لتفينوف إلى رجل ربعة له هيئة شريف من أشراف الريف، يلبس خفًا وسترة قصيرة وبنطلونًا صباحيًا رمادي اللون، ويقف في وسط حجرة ساطعة الضوء حسنة الرياش: «جريجوري لتفينوف، جلمود صخر، قلبٌ روسيٌّ حقٌ، أوصيك به خيرًا». ثم أردف مخاطبًا لتفينوف: «وهذا هو، هو نفسه، إنه جوباريوف وحسب».
وحدق لتفينوف فيه «هو نفسه» بدهشة وتطلع، فلم يرَ فيه للوهلة الأولى شيئًا غير عادي. رأى رجلا وقور المظهر في شبه بَلادة عريض الجبين، واسع العينين، غليظ الشفتين، مرسل اللحية، مكتنز العنق، له نظرة ثابتة يصوِّبها إلى الأرض. ابتسم ذلك السيد وهمهم قائلا: «آه.. إنني سعيد جدًا». ثم رفع يديه إلى وجهه وأولى لتفينوف ظهره وسار بضع خطوات على البساط في مشية بطيئة منحرفة، كأنه يحاول أن ينسلّ غير ملحوظ. وكان من عادة جوباريوف أن يديم السير ذهابًا وجيئة، ممسكًا لحيته بين لحظة وأخرى، يمشطها بأطراف أظافره الطويلة الصلبة. وكان في الحجرة مع جوباريوف سيدة في نحو الخمسين، تلبس ثوبًا حريريًا باليًا، ولها وجه أصفر كالليمونة مفرط الحركات، وشعر أسود كثيف على شفتها العليا، وعينان سريعتا الدوران حتى لكأنهما تقفزان من رأسها، ثم رجل ضخم يجلس منحنيًا في ركن.
تكلم بورجايوف مخاطبًا السيدة، من دون أن يرى ـ في ما يبدو ـ ضرورة لتعريفها إلى لتفينوف:
ـ حسنًا يا عزيزتي ماترونا سميونوفنا زوهانتشيكوف. فيمَ كنت تحدثيننا؟
فشرعت تلك السيدة ـ وكانت امرأة عاقرًا رقيقة الحال، قضت عامين متنقلة من بلد إلى بلد ـ شرعت تقول بحدة لاهثة غريبة:
ـ نعم، لقد ذهب إلى الأمير وقال له: «إن مركزك يا صاحب السعادة يمكِّنك من رفع الظلم عني. أظنك تقدر نُبلَ أفكاري! وهل يمكن أن يضطهد إنسان في هذا العصر من أجل أفكاره؟» فماذا تظن الأمير قد فعل... ذلك السيد المثقف ذا المركز الممتاز؟
فسأل جوباريوف وهو يشعل لفيفة وعلى وجهه سيماء التفكير:
ـ نعم، ماذا فعل؟
فنصبت السيدة قامتها ومدت يمناها المعروقة وقد باعدت بين سبابتها وسائر أصابعها:
ـ لقد نادى خادمه وقال له: «هيا انزع معطف هذا الرجل وخذه لنفسك فهو هدية لك!».
فسأل بمبايف ملوحًا بذراعيه:
ـ وهل نزعه الخادم؟
ـ لقد نزعه وأخذه... هذا ما فعله الأمير بارنولوف. ذلك الشريف الثريّ المعروف.. رجل الحكومة ذو المنصب الرفيع! فماذا يتوقع المرء بعد ذلك؟