كتاب " القضاء وبنيته في النص النقدي والروائي " ، تأليف بلسم محمد إبراهيم الشيباني ، والذي صدر عن دار زهران عام 2003 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب القضاء وبنيته في النص النقدي والروائي
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
القضاء وبنيته في النص النقدي والروائي
وعلى غرار هذا يأتي تعريف الناقد سعيد يقطين، حين يصرح باتفاقه مع حميد لحمداني في تمييزه بين الفضاء والمكان، ولاسيّما في عمومية مفهوم الفضاء، وخصوصية مفهوم المكان(27)، ثم يقول: (إن الفضاء أعم من المكان، لأنه يشير إلى ما هو أبعد وأعمق من التحديد الجغرافيّ، وإنكان أساسياً. إنه يسمح لنا بالبحث في فضاءات تتعدى المحدّد والمجسَّد، لمعانقة التخييليّ، والذهنيّ، ومختلف الصور التي تتسع لها مقولة الفضاء)(28).
أما الناقد (أوستن وارين) فيستخدم مصطلحين آخرين غيرَ (المكان) و(الفضاء) فيطلق على المكان مصطلحي الإطار والبيئة فيقول: (الإطار هو البيئة، والبيئات وبخاصة البواطن البيتية، قد تصور على أنها تعبيرات مجازيّة عن الشخصية. إنّ بيت الإنسان امتداد لنفسه. إذا وصفت البيت فقد وصفت الإنسان)(29).
ويضيف عبدالملك مرتاض مصطلحاً آخرَ معادلاً لمصطلح (الفضاء)، وهو مصطلح (الحَيِّز)(30). ففي تحليله لحكاية حمّال بغداد من ألف ليلة وليلة نصاً سردياً يُوظَّف مصطلح (الحيِّز) ثم يقابلنا في موضع آخر من هذا التحليل وهو ينقل مصطلح (الحيِّز) من مفهومه المباشر الدال علىالحدود الجغرافيّة التي ينطوي عليها، ويتوقف عندها إلى دلالة مجازيّة فيطرح مصطلح (الحيِّز الزمانيّّ)، مثلما يجمع بين الحيِّز والمكان في مصطلح واحد فيقدم مصطلح (الحيِّز المكانيّ)(31).
وفي مقاربته لقصيدة (أشجان يمانية) يلجأ عبدالملك مرتاض إلى المصطلح ذاته تاركاً استخدام مصطلح (الفضاء) لنجده يقول: (نريد أن ننبِّه إلى أننا لا نميل إلى اصطناع مصطلح (الفضاء) الذي لهج باستعماله المشارقة والمغاربة، لأنَّا نراه مجرد ترجمة فطيرة للمصطلح الغربي (ESPACE)؛ وإنما نؤثر اصطناع مصطلح (الحيِّز) معادلاً لذلك)(32).
ويذهب إلى وضع تمييز بين (الفضاء) و(الحيِّز) فيرصد قوله: (الفضاء يجب أن ينصرف إلى الدلالة على الفراغ الذي يحيط بالأرض ... بينما (الحيِّز) (وهو مصطلحنا) شديد التسلط بحيث يستطيع أن ينصرف إلى اليابس والمائيّ، وإلى الملموس من المكان، وإلى مجرد الممتلئ بالهواء والغاز. كما يجب أن ينصرف إلى كل الخطوط والأبعاد، والأحجام، والأثقال، والقامات، والامتدادات، والأشكال على اختلافها)(33).
وفي كتابه (في نظرية الرواية) يعقد مقالة خاصة بموضوع المكان تحت عنوان (الحيِّز الروائيّ وأشكاله)(34) يؤكد فيها انتصاره لمصطلح الحيِّز واستبعاده لمصطلح الفضاء. كما يرى أن للحيِّز مظاهر يَمْثُلُ فيها، ويحصرها في مظهرين؛ واحد جغرافيّ، وآخر خلفيّ(35).
ويقارن بين الحيِّز والمكان فيرى بأن للمكان حدوداً تحدّه ونهاية يقف عندها، وأن الحيِّز ليس له حدود ولا انتهاء، وأنه من بين العناصر التي يتشكل منها البناء الروائيّ كاللغة والزمان والشخصية وغيرها، وهو يمكن أن يرتبط بالشخصية واللغة والحدث ارتباطاً عضوياً ليغدو بذلك عنصراً مركزياً في تشكيل العمل الروائيّ(36).
وترى الباحثة هنا أنّ ما يضعه مرتاض من تمييز بين المكان والحيِّز لا يأخذ حكماً فاصلاً بينهما، ولا يمكننا أن نجعله في صورة قطعيّة ثابتة، فقد يكون للحيِّز حدوده ونهايته كما يكون للمكان ارتباطه العضويّ بين سائر مكونات البناء الروائيّ بما يجعله عنصراً مركزياً فيها.
ويستعمل الناقدان سمر روحي الفيصل(37) وحسن بحراوي(38) مصطلح (المكان الروائيّ) مرادفاً لـ(المكان في الرواية)، أي المكان الذي تجري فيه أحداث الرواية.
أمّا مختار الهادي الأدهم فيخصّص للمكان الروائيّ مفهوماً غيرَ ذلك، إذ يقول: (المكان الروائيّ: ونعني به تلك الصفات الماديّة والمحسوسة للمكان في النصّ الروائيّ)(39).
ويتوسع الناقد حميد لحمداني في تحديد عنصر الفضاء، فيطلق مصطلح (الفضاء الحكائيّ) الذي يقصد به كل التصورات والآراء المتعلقة بموضوع الفضاء في الرواية بشكل خاص، سواء أكان الفضاء موصولاً بما تجري فيه الأحداث وتتحرك عليه الشخصيات أم كان مرتبطاً بكيفية ظهور النص على صفحات الكتاب، ومستوى طباعته(40).
وواضح أنّ هذا المصطلح وهو (الفضاء الحكائيّ) ليس من وضع الناقد نفسه، بل هو مستمد من سلسلة الإنجازات النظريّة والممارسات النقديّة التي قدمتها البنيوية.
وفي الوقت نفسه نرى الناقد حسن بحراوي يستخدم مصطلح (الفضاء الحكائيّ) دون أن يقصد به كل التصورات والآراء المتعلقة بموضوع الفضاء، وإنما يميزه عن الفضاء النصيّ، والفضاء الواقعيّ(41).
كما يقدم حسن بحراوي مصطلحاً آخر، وهو (المكان الحكائيّ) الذي اكتفى بإيراده مرة واحدة في كتابه (بنية الشكل الروائيّ)، وقد جاء هذا المصطلح في سياق مصطلحات أخرى، وهي الفضاء النصيّ، والفضاء الطباعيّ، والفضاء الروائيّ الذي اقترن بالإشارة إلى تمتّعه بالمظهر التخيُّلي أو الحكائيّ(42).
وينتقل حسن بحراوي إلى مصطلح آخر وهو (الفضاء المكانيّ) الذي يستعمله مرادفاً آخرَ للمكان الذي تجري فيه أحداث الرواية، مساوياً في ذلك بين المكان الواقعيّ المحسوس والمكان الذي يمثل مجرّد حلم أو رؤية(43).
أما (ميخائيل باختين) فنراه يستخدم مصطلح (الفضاء المكانيّ) لآداء مفهوم غيرِ المفهوم السابق، وقد فسَّر تزفيتان تودوروف هذا المفهومَ لديه بأنه أحد العنصرين المكوّنين لنموذج العالم الذي يقدمه النص، وهذان العنصران هما الفضاء المكانيّ والزمان(44). وفي هذا الإطار يمكن القولبأنّ هذا المصطلح (يدور حول مفهوم (احتمالية وقوع حدث) والقدرة على قياسه)(45).
ويستخدم الناقد حميد لحمداني مصطلح (الفضاء المكانيّ) لوصف الفضاء النصيّ(*). كما يشير إلى وجود تصوُّر يرى في الفضاء معادلاً للمكان من حيث إن ما يطلق عليه الفضاء الجغرافيّ المتمثل في هذه الإشارات الجغرافية يعدُّ معادلاً لمفهوم المكان الذي تصوّره الرواية(46).
كما يعرّف (الفضاء الجغرافيّ) بأنه (مقابل لمفهوم المكان، ويتولّد عن طريق الحكي ذاته، إنه الفضاء الذي يتحرك فيه الأبطال، أو يفترض أنهم يتحركون فيه)(47).