كتاب "بهجة الأسرار ومعدن الأنوارفي مناقب الباز الأشهب" لكاتبه نور الدين بن جرير الشطنوفي، دراسة وتحقيق الكاتب د.
أنت هنا
قراءة كتاب بهجة الأسرار ومعدن الأنوار في مناقب الباز الأشهب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
بهجة الأسرار ومعدن الأنوار في مناقب الباز الأشهب
رابعا الامام عبدالقادر الجيلاني
الامام السيد الشيخ عبد القادر الجيلي (470 هـ - 561 هـ) الموصفوف بـ "تاج العارفين" و"محيي الدين" و"شيخ الشيوخ"و "قطب بغداد"وسلطان الاولياء واشهرها" الباز الاشهب" هوأبي صالح السيد محيي الدين عبد القادر الجيلي بن السيد موسى بن السيد عبد الله الجيلاني بن السيد يحيى الزاهد بن السيد محمد المدني بن السيد داود الامير بن السيد موسى الثاني بن السيد عبد الله أبي المكارم بن السيد موسى الجون بن السيد عبد الله المحض بن السيد الحسن المثنى بن السيد الإمام الحسن السبط بن أمير المؤمنين علي بن أبي طالب زوج السيدة البتول فاطمة الزهراء بنت رسول الله محمد صلى الله عليه واله وسلم، ولد الشيخ عبد القادر الجيلاني ،في 11 ربيع الثاني وهو الاشهر ، سنة 470 هـ الموافق 1077م، في قرية "جيل " العراق وهي قرية قرب المدائن جنوب بغداد ، لافي جيلان الطبرستان كما يردد اعتمادا على رواية واحدة رددتها بعض الكتب بلا تدقيق او نظر ([34]).
روى الحديث عن الشيخ عبد القادر الجيلاني رجال من أمثال ، الحافظ عبد الغني المقدسي، و الشيخ الموفق بن قدامة المقدسي، والشيخ علي بن إدريس البعقوبي، واحمد بن مطيع الباجسرائي، وعبد اللطيف بن محمد بن القبيط، وغيرهم من أئمة الحديث و قرأ الشيخ الجيلاني الأدب على أبي زكرياء يحيى بن على التبريزي([35]).
وفي التصوف صحب الشيخ الجيلاني الشيخ حماد بن مسلم الدباس([36]) (ت 525 هـ) وأخذ عنه علم الطريقة و تأدب به، وأخذ الخرقة من يد أبي سعد([37]) المبارك بن علي بن الحسين المخرمي([38]) (ت 513 هـ)، وكان أبو سعد حنبلي المذهب وقد درس و أفتى وقبلت شهادته وولي قضاء باب الأزج([39])،حيث بنى مدرسة هناك ([40])، ثم اشتهرت بالشيخ عبد القادر تلميذه " ([41]). وهكذا كان المخرمي شيخ الشيخ عبد القادر في الفقه وفي لبس الخرقة.
أما سلسلة مشايخ خرقة التصوف التي لبسها الجيلاني من المخرمي فيذكر أن المخرمي لبسها من أبي الحسن علي بن محمد القرشي الهكاري وهو من أبي الفرج الطرسوسي، وهو من عبد الواحد بن عبد العزيز، وهو من والده، وهو من ابي بكر الشبلي، وهو من ابي القاسم الجنيد، وهو من خاله السري السقطي، وهو من معروف الكرخي، وهو من داود الطائي، وهو من حبيب العجمي وهو من الحسن البصري وهو من علي بن ابي طالب([42])، إلاّ أن "المعتبر في طريق الخرقة الصحبة" ([43]). وهناك مايشير أيضاً إلى ان الجيلاني اخذ التصوف عن الشيخ ابي يعقوب يوسف بن أيوب الهمذاني الزاهد ([44]) (ت 535 هـ) لما قدم بغداد ([45]). وقد كان الشيخ عبد القادر الجيلاني يكتب إسناد خرقته لمن يلبسها منه([46]).
هذا، ويعود تاريخ صحبة الجيلاني للشيخ حماد الدباس إلى سنة 499 هـ([47]) ومابعدها. ويبدو أن سنوات الخلوة التي قضاها الجيلاني في سلوكه الصوفي كانت خلال فترة صحبته للشيخ حماد الدباس. وقد كانت خلوة بعد تفقه آنذاك، وفي ذلك قال الجيلاني بعد أن سلك الطريق الصوفي وصار من الواصلين: "المؤمن من يتعلم ما يجب عليه، ثم يعتزل عن الخلق و يخلو بعبادة ربه عز وجل" ([48])، وقال أيضاً" القوم تفقهوا ثم اعتزلوا عن الخلق بقلوبهم. ظواهرهم مع الخلق لإصلاحهم، وبواطنهم مع الحق عز وجل في خدمته وصحبته" ([49])، وقال أيضاً: "تعلّم ثم اعمل ثم انفرد في خلوتك عن الخلق، واشتغل بمحبة الحق عز وجل. فإذا صح لك الانفراد والمحبة قربك إليه وأدناك منه وأفناك فيه، ثم إن شاء يُشهرك ويُظهرك للخلق، ويُردُّك إلى استيفاء الأقسام... تستوفي الأقسام وقلبك مع الحق عز وجل"([50]).
وقد أوصى الجيلاني أحد طلبة العلم الذين رغبوا بأن ينقطعوا للعبادة فقال له "إذا أردت الانقطاع فلا تنقطع حتى تتفقه وتجالس الشيوخ و تتأدب، و إلاّ فتنقطع و أنت فُريخ ما ريشت" ([51]).
وقد ترجمت المصادر المتقدمة([52]) للشيخ عبد القادر الجيلاني في حال شهرته ولم تفصل فيما جرى له في حال سلوكه وخلوته التي قضى فيها سنين طويلة.
وعلى كل حال فإن مايجده الصوفي في حال خلوته ومجاهدته هي من الأمور التي يندر أن يتكلم عنها الصوفية بالتفصيل، إلاّ أن الشطنوفي ينسب للشيخ الجيلاني ذكره تفصيل كثيراً مما كان يجده في حال خلوته من مشقة وأمور عجيبة ووصفه لها يعطي صورة نموذجية لما يواجهه الصوفية في خلواتهم، فمن ذلك قوله: "كانت الأحوال تطرقني في بدايتي في السياحة، فأقاومها فأملكها فأغيب فيها عن وجودي، وأغدوا و أنا لا أدري، فإذا سُرّي عني من ذلك وجدت نفسي بعيداً عن المكان الذي كنت فيه" ([53])، وقال: "أقمت في صحارى العراق وخرابه خمساً وعشرين سنة مجرداً سائحاً لا أعرف الخلق ولا يعرفوني، ورافقني الخضر عليه السلام في أول دخولي إلى بغداد وما كنت عرفته قبل، وشرط علي أن لا أخالفه وقال لي أقعد هنا فجلست في المكان الذي أقعدني فيه ثلاث سنين يأتيني في كل سنة مرة ويقول مكانك حتى آتيك. وكانت الدنيا وزخارفها وشهواتها تأتيني في صور شتى عجيبة فيحميني الله تعالى من النظر إليها، وتأتيني الشياطين في صور شتى مزعجة ويقاتلونني فيقويني الله تعالى عليهم، وتبرز إليّ نفسي في صورة فتارة تتضرع إليّ فيما تريده وتارة تحاربني فينصرني الله عز وجل عليها،.... وأقمت زماناً في خراب المدائن (جيل العراق) آخذ نفسي بطريق المجاهدات،... واقمت في خراب الكرخ سنين........، ويأتيني رجل في كل سنة بجبة صوف البسها، ودخلت في ألف فن حتى أستريح من دنياكم، وماكنت أعرف إلا بالتخارس والبله والجنون، وكنت أمشي حافياً في الشوك وغيره، وماهالني شيء إلا سلكته ولا غلبتني نفسي فيما تريده قط، ولا اعجبني شيء من زينة الدنيا قط.. ([54])، وقال أيضاً: "كنت في زمن مجاهدتي إذا اخذتني سنة اسمع قائلاً يقول: ياعبد القادر ما خلقتك للنوم، قد أحببناك ولم تك شيئاً فلا تغفل عنا وأنت شيء" ([55]).