أنت هنا

قراءة كتاب من قضايا اللغة، والأدب، والنقد

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
من قضايا اللغة، والأدب، والنقد

من قضايا اللغة، والأدب، والنقد

في كتاب "سواد في بياض"، للأديبة الدمشقية الصديقة السيدة وداد سكاكيني محاسني، مقال بعنوان: "الأدب المكشوف"، تحدثت فيه حديثاً عابراً عن بعض ألوان الأدب ومذاهبه. ومما جاء فيه قولها:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 2
الغربيون الذين نأخذ عنهم الاتجاهات والمدارس الأدبية والفنية، والذين ننقل أقوالهم أحياناً نقلاً ببغاوياً، دون أنْ نفهمه على وجهه الصحيح، كتبوا أدباً فنياً جميلاً وهم ينقلون أحاسيس الشعب، ويصوّرون حياته، ويعكسون أشواقه وآماله، وأفراحه وآلامه، ولم يقدموا لنا شرائح يابسة ميتة، لا تمضغها أسنان، ولا يبلعها حلقوم.
 
دوستويفسكي قدّم لنا أدباً جماهيرياً شعبياً، ومثله فعل تولستوي، وتورغينيف، وغوركي وباسترناك، وكذلك فعل إميل زولا، وفيكتور هيغو، وبلزاك وفلوبير، وكذلك جفواني فيرغا، وبيرانديللو، وغراتسيا ديليدا، ومثلهم فعل شكسبير، وغوته، وأعداد كبيرة من أعظم أدباء العالم. كلهم استوحوا أدبهم من صميم الحياة فناً جميلاً: التعبير الآسر، والصور الرائعة، والخيالات المحلّقة كانت تزوّق كل ريشة في أجنحتها، وتلون كل عبارة. ولهذا يقرأ القارئ الكتاب من أعمال هؤلاء العمالقة، ويشعر بأنه، وهو يعيش حياة الشعب، بكلّ ما فيها من المآسي، ومن قسوة الصراع اليومي للعيش، يستمتع وينعم بجمال الفن المتمثّل في العبارة، والصورة، والخيال، واللون، والنغمة الموسيقية في الكلام بعيداً عن الخطابية، والصيغ التقريرية في السرد، وفي ثنايا الكلام.
 
إنه يبكي لما يستوجب البكاء، وتهزّه نشوة الفرح لما يستوجب النشوة والفرح، ويثور لما يستوجب الثورة، وهو إنما يحسّ بذلك كله، ويفعل ذلك كلّه بسحر العبارة الفنية، والصورة الفنية، والتأثير الذي يتركه الكاتب البارع الفنان في نفس القارئ، وبما يستحوذ عليه من تناسق العمل الفني، ومن اكتمال عناصره.
 
وأساليب التعبير تختلف بين كاتب وكاتب، وبين شاعر وشاعر وهي تنبع من موهبة أصيلة، غذتها الثقافة الصحيحة، وصقلتها التجارب الإنسانية، فعمقت وتأصلت، وفاضت جمالاً ومتعة وخيراً.
 
رواية (الفهد) الإيطالية، مثلاً – وقد سعدت بأن ترجمتها بنفسي عن الإيطالية إلى العربية – تتحدث عن ثورة غاريبالدي لتوحيد إيطاليا، في منتصف القرن التاسع عشر. ولكنها تتحدث عن اضطراب الحياة، وهياج الجماهير، وعن الحرب، والدماء، وعن تغيّر طبقات المجتمع، بتدهور طبقة النبلاء القديمة، وظهور طبقة نبلاء غيرها من الأسر الشعبية الكادحة. ومع كل ذلك فإن الرواية تمتع القارئ وتجعله ينفعل بالأحداث انفعالاً عميقاً، ويشارك الأشخاص أحاسيسهم وانفعالاتهم، وذلك بفعل سحر العبارة، وجمال الأسلوب الفني المتماسك المتناسق الذي يقدم به المؤلف أحداثه وشخوصه فهو لا يعتمد الأسلوب المباشر، ولا السرد الجاف للأحداث، ولا التقديم الباهت للأشخاص وأحاسيسهم وانفعالاتهم.

الصفحات