كتاب " مواقف وآفاق في قضايا الثقافة واليسار والثورة (1985 - 2013) " ، تأليف رجا سعد الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2014 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب مواقف وآفاق في قضايا الثقافة واليسار والثورة (1985 - 2013)
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
مواقف وآفاق في قضايا الثقافة واليسار والثورة (1985 - 2013)
التيارات الدينية والطائفية في لبنان والعالم العربي ((2))
الرفاق الأعزاء
حين نتناول بالبحث ظاهرة التيارات الدينية والطائفية في المنطقة العربية بشكل عام، وفي لبنان بشكل خاص، يتوجَّب علينا – وهذا أحد موجبات البحث – أن نبحث في ولادة هذه الظاهرة، من حيث الكشف عن الجوانب الاقتصادية والاجتماعية والسياسية والفكرية، التي كانت في أساس ولادتها. كما يترتب علينا، أن نقدِّم صورة ولو مختصرة عن صيرورتها التاريخية منذ فترة تكوّنها وحتى المرحلة الراهنة.
إن مقتضيات البحث العلمي الدقيق تتطلب تحقيق هذه المسائل (بحثاً واستنتاجات) ولأسباب عديدة منها: ضيق الوقت الفاصل بين إعلامنا بالمشاركة وموعد الندوة. ومحدودية المراجع المتاحة لهذا الموضوع. ممَّا يجعل مساهمتنا أقرب إلى المداخلة السريعة منها إلى البحث العلمي، آملين أن نساهم، إلى جانب مداخلات الرفاق، في الكشف عن ماهيّة هذه الظاهرة، وتبيان طابعها، وكيفيَّة مواجهة القوى الثورية لها، لما بدأت تمثله من مخاطر، خصوصاً في بلدنا لبنان، كونه ساحة أساسية للصراع الدائر في منطقة الشرق الأوسط، بين قوى الامبريالية والصهيونية والرجعية من جهة، وقوى التحرر الوطني والتقدم والسلام من جهة أخرى.
إن ظاهرة التيارات الدينية والطائفية وبخاصة الإسلامية، تمتد جذورها عميقاً في تاريخ المجتمع العربي، وقد استندت في تشكلها وصيرورتها إلى سيادة الوعي الديني، الذي يتحدَّد إلى حد كبير بطبيعة البنى الاجتماعية والاقتصادية والسياسية القائمة في هذا المجتمع أو ذاك.
أنا الآن لن أدخل في تفاصيل تشكّل هذه الظاهرة، ونموِّها وتحوّلها إلى تيارات مختلفة ومتعددة، إنما بودي، أن أشير في هذه الجلسة إلى أن هذه الظاهرة تحضر في مرحلة تتعمق فيها أزمة البورجوازية العربية التابعة لرأسمالية عالمية مأزومة!! كما تظهر في الوقت الذي نقول فيه بضرورة التغيير الثوري، بما هو عملية ثورية متكاملة، يتداخل فيها التحرر الوطني والاجتماعي، في سبيل الانتقال لاحقاً وفي ظروف تاريخية مناسبة ومحدّدة إلى الاشتراكية.
وهذه الظاهرة في لبنان ليست معزولة عن عملية الصراع الاجتماعي والسياسي، إنما هي جزء عضوي منه، لها أحزابها، وقواها المحركة، وطابعها الطبقي، وبالتالي لها موقع في عملية الصراع، بجبهاته المختلفة، على الصعد الوطنية والإقليمية والدولية كافة.
في العوامل القريبة (الخارجية والداخلية) لتشكل ظاهرة التيارات الدينية والطائفية
أولاً: في العوامل الخارجية
أ - دور الاستعمار: لعب الاستعمار بشكليه القديم والحديث، دوراً مميّزاً في تغذية وتعزيز الاتجاهات الطائفية والمذهبية في بلاد المشرق العربي، وفي لبنان تحديداً والأمثلة على ذلك كثيرة نذكر منها على سبيل المثال:
1- انحياز الأتراك إلى جانب الطوائف الإسلامية ضد المسيحيين في لبنان.
2- انحيازالاستعمار الفرنسي إلى جانب المسيحيين بشكل عام، والحرص على تثبيت موقعهم القيادي في دولة «لبنان الكبير» التي أعلنت سنة 1920.
ب - دور العامل الإسرائيلي: إن قيام الدولة الصهيونية، على أرض فلسطين، شكل بداية مرحلة جديدة في تاريخ المنطقة العربية، وبما أن العنصرية الصهيونية هي إحدى أهم ركائز الكيان الصهيوني، وأحد أهم عناصر استمراره، وأحد أهم المكونات الأساسية في بنائه الأيديولوجي، فإن هذا الكيان العدواني، قد بنى استراتيجيته الإقليمية في جانب رئيسي منها، على أساس تعميق التناقضات المذهبية والطائفية في البلدان المجاورة له، والدليل على ذلك الفعل السلبي التدميري للعامل الإسرائيلي في الحرب الأهلية اللبنانية المتمادية، وما شكله هذا الفعل العدواني الإسرائيلي من فرز طائفي ومذهبي على الأرض، بما يخدم لاحقاً استراتيجيته في إقامة الكانتونات الطائفية والمذهبية في لبنان، وبما يساهم في تعميم هذه الظاهرة فيما بعد في بلدان عربية أخرى، بما يضمن بقاءه كياناً عنصرياً قوياً وسط كيانات طائفية ومذهبية ضعيفة ومتقاتلة.
ج- العامل الإيراني: إن انتصار الثورة الإسلامية في إيران، شكل بداية مرحلة نوعية اتسمت بانتعاش متزايد للتيارات الدينية وبخاصة في أوساط الطائفة الشيعية، ورغم إيجابيات المواقف العامة والمبدئية المناهضة للامبريالية الأميركية وإسرائيل لهذه القوى، فإن هذه التيارات عموماً تتناقض بمنظومتها الفكرية، ومشروعها السياسي مع الحداثة والعلمنة...
إن تأثيرات العوامل الخارجية في تغذية التيارات الطائفية والدينية في المنطقة العربية، وتحديداً في لبنان، تقاطعت وتتقاطع جميعها قديماً وحديثاً وحالياً، من أجل إعادة إنتاج النظام الطائفي – الطبقي في لبنان التابع للإمبريالية بأشكال مختلفة.