كتاب " طبيب في الجيش " ، تأليف د. ياسر سبسبي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب طبيب في الجيش
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
طبيب في الجيش
عندما يذكر الدكتور رامي قصّة الضابط النسر تمتلكه الحيرة وهو يفكّر في دقّة الشعرة التي تفصل نبض الحياة عن رتم الموت، ولكن رغم دقّتها لا تقطعها لا الشدائد ولا الأهوال.
وكذلك تلك الشعرة الدقيقة التي تفصل الغيمة عن الحلم والحقيقة عن الحجر، فالغيمة حلم بالمطر، أو وهم يذهب مع الريح، والحجر حقيقة فيها أنفاس التاريخ ودمه. هناك في قلعة جعبر القريبة يتكلّم الحجر على دوسر، غلام النعمان بن المنذر، وعلى بعد عدّة أميال يناجيه هناك حجر من قصر الرصافة، يكلمه على بلاط الملوك من عهد الآشوريين إلى عهد عبد الملك بن مروان، إنه لا يزال يردد صدى قول الشاعر العباسي:
عيون المها بين الرصافة والجسرِ
جلبن لي الهوى من حيث أدري ولا أدري
وقد يكون الحجر حقيقة كامنة تبدو كالوهم في صدر البركان النافر مثل الخال على وجنة البريّة بين الفرات وحلب.
والشعرة الدقيقة قد تربط بإحكام الحلم والحقيقة مثل عربتي قطار، واحدة تتبع الأخرى.
***
قضى نهاراً شاقّاً وحارّاً في المطار ثم عاد في الثالثة متأخراً ساعتين عن موعده لأنه اضطر أن يمشي ثلاثة كيلومترات هارباً من المناوبة المفاجئة التي كلفوه بها.
قال للعقيد المسؤول عن المناوبات الليلية:
ـ لماذا يناوب طبيبان مع أنّ واحداً يكفي لتسيير الأمور ونحن بحالة سلم؟
فأجابه بكل برود:
ـ أوامر عسكرية.
فقال له كاتماً غيظه:
ـ لكنني مرتبط بمستشفى ولن أقول لك إنني أكسب مالاً أصرفه على نفسي وأنا طبيب في الثلاثين أخجل أن يصرف عليّ أهلي، لكن سأقول لك إن المرضى في المستشفى بحاجة إليَّ.
قال العقيد بمستوى البرود نفسه:
ـ الوطن هنا بحاجة إليك أيضاً، ثم إنك تتقاضى راتباً من الجيش.