كتاب " طبيب في الجيش " ، تأليف د. ياسر سبسبي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب طبيب في الجيش
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
طبيب في الجيش
- لا، أبداً، انتظري قليلاً، سنشرب شيئاً بارداً قبل أن تغادري.
خرج نحو المطبخ يعبر صحراء حارقةً، ويجتاز جبالاً وعرة وأنفاقاً مظلمة، يسبح في بحر مرتفع الأمواج.. يبتلع الماء المالح فيزداد إحساساً بالعطش والحرمان، يلهث حتى يصل إلى الثلاجة، فيمدّ يديه المرتجفتين نحوها، يوجد تفاحٌ وحلويات ودجاج، لكن الماء قد تجمد في زجاجات الثلاجة، يحاول سحب واحدة بكلّ قوته، تقع على الأرض وتتحطّم، فيفيق من النوم مذعوراً جافّ الحلق متسارع الأنفاس...
لقد وقع المذياع الذي تركه مفتوحاً بجانبه قبل أن ينام،
لكنه لم ينقطع عن الكلام رغم الصدمة القاسية...
... نافذتان كبيرتان وقمر وضيء الوجه ما زال يحاول أن يقفز من إحداهما نحو الداخل، ثلاثة أسرّة حديدية قديمة، ينام وحيداً هو على أحدها، والثالثة صباحاً...
حدّق إلى الجدار المتشقق يتسرّب منه ضوء القمر فلاحظ الصورة المعلقة على الجدار، صورة رئيس البلاد والحزب والجيش، وتذكر أنه ينام في ثكنته العسكرية وسط الصحراء الممتدة الأطراف، الصحراء كسجن جدرانه متباعدة في خيال الليل، ونوافذه مفتوحة على أحداق الظلام، وقناديله نجوم معلقة في الأفق.
- يا إلهي، ما هذا الصداع الثقيل، وهذا الألم المزعج المنبعث من تلك القرحة في رأس لساني، إنه يزداد بسبب الجفاف الشديد في فمي، لقد عادت تلك الكوابيس مجدداً!.
جلس دقيقتين في سريره فاستعاد وعيه ومشى متمايلاً نحو الثلاجة يعبر نهراً من الشكوك وبحراً من التناقضات.
- لِمنْ أنام هنا وحيداً؟ ومن ينتظرني هناك عندما أعود؟ وإلى متى سأكون بين هذه الصور كلوحةٍ تراكمت فوقها حسابات الزمن اليائس؟.
اقترب من الثلاجة واقترب أيضاً من الهذيان.
- أيتها القلاعة الحقيرة في رأس لساني، أنت سبب صداعي وتلك الكوابيس المزعجة، لكن ربما تكونين أنت ناتجة عن تلك الأحلام المعذبة.. آه.. لا أدري، لن آكل البطاطا المقليّة قبل النوم مرة أخرى، إنها أيضاً تسبّب الكوابيس مثل الخدمة العسكرية ومثل أبي علي، آه منك يا أبا علي، ربما تكون أنت سبب الصداع، فأنا لم أنم جيداً ليلة البارحة، لقد سهرنا مع المريض المصاب بالقصور الكلوي الذي أسعفناه بعد منتصف الليل في المستشفى.
تذكّر صوت أبي علي البدوي الخشن وهو يقول:
- خمس مئة ليرة مبلغ قليل يا دكتور، ولا يستأهل الاستيقاظ من النوم.
فردّ الدكتور رامي مازحاً:
- كم أتمنّى ألا تتكلم بعد منتصف الليل يا عم أبو علي لأنك تخرّب عالم السكون المخيم في المستشفى وتوقظ العناكب النائمة على أسرّة المرضى..
فضحك أبو علي ضحكة طويلة أنهاها بتثاؤب طويل غير مهذب وقال:
- لحسن الحظ لا ينام عندنا مرضى هذه الليلة وإلّا لسمعت منهم زفرات الامتعاض وعدم الرضى عن كلماتي وابتساماتي. يا أخي هذا هو طبعي، أتكلم وأضحك بصوت عالٍ فهل تريدونني أخرس؟، صدى الشجاعة عال وأنوارها باهرة.
ـ يجب أن نكون لطفاء حتى لا نخسر الزبائن يا أبا علي.
- هل تقصد أن الزبائن لا يأتون بسببي، المستشفى سمعته سيئة فما ذنبي أنا.
- نحن من يصنع السمعة.. ويجب أن تحمد الله على كل حال.