كتاب " ريكور والهيرمينوطيقا " ، تأليف د. أحمد عبد الحليم عطية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب ريكور والهيرمينوطيقا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ريكور والهيرمينوطيقا
خامساً: هايدغر والتأويل الظاهرياتي
ويجذر ريكور الهيرمينوطيقا داخل الظاهريات وهذا التجذير الظاهرياتي للهيرمينوطيقا لا يتوقف عند وجهة نظره عن تلك القرابة بين فهم النصوص والعلاقة القصدية لوعي، بمعنى يواجهه بل على مفهوم مستمد من هايدغر هو العالم المعيش (Lebenswelt) ، فكوننا نوجد في عالم وننتمي إليه يجعلنا قادرين في حركة تالية على أن نتعارض مع أشياء نتطلع إلى تكوينها والتحكم فيها عقلياً.
ويتوقف ريكور عند الدلالة الأنطولوجية لمفهوم الفهم الهايدغري (37) الذي هو جواب وجود في العالم، يشق فيه طريقه، ويعرض إمكانياته لأكثر خصوصية. والتأويل بالمعنى التقني لتأويل النصوص ما هو إلا توسيع وتفسير لهذا الفهم الأنطولوجي المرتبط بوجود ملقى مسبقاً وعلى هذا النحو، كما يقول ريكور: «فإن علاقة الذات بالموضوع التي ظل هوسرل خاضعاً لها مرتبطة بالإقرار بعلاقة أنطولوجية أكثر أولية من كل علاقة للمعرفة، ومن هنا فإن الهيرمينوطيقا الهايدغرية وما بعدها هي وريثة الظاهريات الهوسرلية وهي في نهاية الأمر قلب لها بالقدر نفسه الذي تكون فيه تحقيقاً لها» (38).
وقد أثر كتاب هايدغر الأساسي «الوجود والزمان» في نظرية ريكور السردية، حيث عمل على تصحيح عمل هايدغر. ويشكل هذا التصحيح السردي مسيرة ريكور الطويلة نحو أنطولوجيا الوجود الإنساني.
يميز ريكور في دراسته «الوجود والهيرمينوطيقا» بين نوعين من الظاهريات التأويلية هي ظاهريات هايدغر (المسيرة القصيرة للأنطولوجيا) (39) وظاهرياته الخاصة (مسيرتها الطويلة). إن ريكور على توافق إلى حد كبير مع تأويل هايدغر للزمانية الإنسانية حسب كيفين فانهوزر الذي يوضح ذلك بقوله: حيث يحاول هايدغر أن يبحث في الوجود الإنساني مباشرة وكما هو، يعتقد ريكور أن الوجود الإنساني لا يتحقق إلا بسلوك انعطاف من خلال تأويل النصوص التي تشهد على هذا الوجود. يحول هايدغر التأويل من تحليل النصوص إلى تحليل لهذا الوجود الذي يفهم الآنية (Dasein) ونتائج هذا التحول في الإشكالية بعيدة المدى. حيث تحل أنطولوجيا الفهم محل إبيستمولوجيا التأويل. يعلق ريكور، «للفهم لدى هايدغر دلالة أنطولوجية فهو رد فعل وجود مقذوف إلى العالم، يجد طريقه بإسقاط إمكانياته الخاصة عليه»(40). ويستنتج الباحث أن نظرية ريكور السردية هي استمرار لمشروع هايدغر «المنقوص» في فهم الوجود الإنساني بوصفه زمانياً من حيث الجوهر. ويخلص إلى الآتي:
1 ـ يعطي ريكور لفكرة كانط عن الخيال الإبداعي وفكرة هايدغر عن الزمانية الإنسانية صياغة لغوية وتطبيقاً أدبياً.
2 ـ هذا التطبيق يمكنه من الاستفادة من تقنيات التوضيح المناسب للنصوص. فطريق فهم الوجود الإنساني لا بد أن يمر بالمنعطف الطويل من خلال أسئلة المنهج.
3 ـ تضيف النظرية السردية بعداً اجتماعياً إلى فكرة الخيال الإبداعي والزمانية الإنسانية كانتا تفتقران إليه لدى كل من كانط وهايدغر.
إن نظرية ريكور السردية تقف عند ملتقى الطرق لأنثروبولوجيته الفلسفية وتأويليته النصية، وريكور هو فيلسوف الإمكانية الإنسانية الذي يظل الأدب يتباهى بمكانته في مشروعه الفلسفي (41).
وهذا ينقلنا إلى اهتمامه باللغة وتحديده للهيرمينوطيقا بأنها تأويل للنص.