قراءة كتاب ريكور والهيرمينوطيقا

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
ريكور والهيرمينوطيقا

ريكور والهيرمينوطيقا

كتاب " ريكور والهيرمينوطيقا " ، تأليف د. أحمد عبد الحليم عطية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 7

سادساً: اللغة عند ريكور

علينا أن نتذكر ما سبق أن استشهدنا به من أن مشروع ريكور ينحصر في إيجاد حقيقة المعنى، وأن فلسفته التي أنشأها حول الإرادة تكشف عن دلالتها حين أصبحت تأملاً حقيقياً في اللغة. ويرى لاكروا أن مشروع ريكور هو إقامة فلسفة كبرى للغة تهتم بالوظائف العديدة للدلالة عند الفرد البشري وبعلاقتها المتعددة فيما بينهما. وريكور بصفته فيلسوفاً يبدأ من (الأنا أفكر) التي ظلت المبدأ الثابت، ويصادف في طريقه تفسيرات تستهدف رد اللغة إلى شيء آخر. وقد رأى من واجبه ألا يعارضها بل أن يستخدمها ويفهمها (42).

إن سر هذه الفلسفة ـ كما كتب البعض ـ يكمن في أنها تنطوي على مشروعين متناقضين تريد توحيدهما؛ فمن جهة هناك أنثروبولوجية فلسفية تسعى إلى تحقيق فلسفة الإرادة وتستثمر الظاهريات والوجودية كما يتضح في كتبه الأولى: «رمزية الشر» ، و «التناهي والإثم» ، و «الإنسان الخطأ» ، ومن جهة ثانية هناك تأويلية نقدية تريد الاستفادة من آخر ما توصلت إليه علوم اللغة ونظريات الاتصال، وتتمثل هذه التأويلية في كتبه اللاحقة: «صراع التأويلات» ، و «سطوة الاستعارة» ، و «التأويلية والعلوم الاجتماعية» ، و ««من النص إلى الفعل» (43).

والحقيقة أن هناك تطور وليس تكامل بين ظاهريات ريكور الوجودية وفلسفته التأويلية للنص. يتمثل هذا التحول في اهتمامه باللغة. ويخبرنا ريكور نفسه كيف انبثقت من دراساته الأولى مشكلة ثانوية سرعان ما تصدرت أبحاثه بعد ذلك وهي مشكلة اللغة. لقد كان في عمله الأول يريد توضيح بعد الشر في بنية الإرادة، ومن هنا استند إلى المنهج التأملي الوصفي لدى هوسرل والثنائي ياسبرز ومارسيل وأطلق على هذا النوع من الوصف الظاهريات الوجودية. وفي ذاك الوقت لم تطرح أي مشكلة عن اللغة. أما الآن فهو ـ كما يخبرنا ـ يعتقد أن هناك تداخلاً بين فلسفة اللغة العادية والظاهريات، فقد جلبت مشكلة الشر إلى مجال البحث معضلات لغوية جديدة وهذه المعضلات اللغوية واللسانية كانت قرينة باستعمال اللغة الرمزية باعتبارها مقاربة غير مباشرة لمشكلة الإثم.

ومن هنا، فإن اهتمامه بالرمزية يسلك منعطف تأويل الرموز بأن يقدم بعداً تأويلياً داخل بنية الفكر التأملي، يقول: «ما كان بإمكاني أن أتحدث عن الإرادة السيئة أو عن الشر دون تأويلية من نوع ما... لقد فرض عليّ موضوعي الأول أن أبحث في بنية الرمزية والأسطورة» (44). لقد حصر تعريف التأويل في هذه المرحلة في المشكلة الخاصة بتأويل اللغة الرمزية يظهر هذا في كتابه عن «فرويد» والفصل الأخير من «رمزية الشر» .

لقد عرّف الرمزية والتأويلية في كتابه عن فرويد الواحدة بمصطلحات الأخرى، فالرمزية تستدعي تأويلاً ما لأنها تقوم على بنية دلالية معينة، هي بنية التعبيرات ذات المعاني المزدوجة وأيضاً هناك تأويلية لأن هناك لغة غير مباشرة. لذا كانت الهيرمينوطيقا هي الكشف عن المعاني غير المباشرة. لقد تحول ريكور بعد ذلك من حصر التأويل في اكتشاف معاني خفية من اللغة الرمزية وربط بينها وبين اللغة المكتوبة والنصوص. هنا تغير اهتمامه من مشكلة بنية الإرادة إلى مشكلة اللغة في ذاتها. وهناك أربعة عوامل قادت ريكور إلى هذا التحول هي:

التأمل في بنية التحليل النفسي.

التغير المهم في الحس الفلسفي حيث بدأت البنيوية تحل محل الوجودية بل محل الفينومينولوجيا.

الاهتمام المتواصل بالمشكلة التي تطرحها اللغة الدينية أو ما يسمى لاهوت الكلمة.

وأخيراً، الاهتمام المتزايد بالمدرسة البريطانية والأميركية في فلسفة اللغة العادية، التي وجد فيها طريقاً لتجديد الظاهريات ورداً على تجاوزات البنيوية على السواء.

ونظراً لأهمية هذه القضايا في توضيح هيرمينوطيقا ريكور سنتوقف أمامها بشيء من التفصيل في الفقرات من (سابعاً إلى عاشراً) (45).

الصفحات