كتاب " ريكور والهيرمينوطيقا " ، تأليف د. أحمد عبد الحليم عطية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب ريكور والهيرمينوطيقا
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

ريكور والهيرمينوطيقا
ثامناً: البنيوية وصراع التأويلات
كان من نتيجة سيادة البنيوية تغير المشهد الفلسفي في فرنسا، وقد جاء هذا النموذج الجديد في التفلسف في البنيوية من اللسانيات. ومن المعروف أن النموذج البنيوي يكمن في التشديد أساساً على أن اللغة هي نسق من الرموز، وتستخلص البنيوية بما هي فلسفة نتائج جذرية من هذا النموذج المعرفي تؤثر مباشرة في مسلمات الوجودية. لقد أطاحت البنيوية كما هو معلوم أولية الذاتية التي كانت تلح عليها الوجودية بقوة بنقل إطار التحليل من المقاصد الذاتية إلى البنية اللغوية والسيميوطيقية.
إن فكرة كون اللغة نسقاً مغلقاً من العلامات يشير فيها كل عنصر إلى عناصر النسق الأخرى فقط؛ تستبعد دعوى التأويلية في الوصول إلى ما وراء «الحس» ـ بوصفه المحتوى الضمني للنص ـ أو إلى «الإحالة» أي ما يقوله «عن» العالم (52).
لقد بدأ اهتمام ريكور بعلم اللغة 1962 تقريباً على نحو يتصل بالخلاف الذي دار بين ليفي ستراوس وسارتر. ولقد وجه 1963 التعارضات الثنائية بين الآنية والتعاقب في دراسته عن «البنية والهيرمينوطيقا» واقترح إضافة الرمز بوصفه بعداً ثالثاً من أبعاد الزمان، وذلكعلى أساس أن الرمز مرحلة تتوسط بين التأمل المجرد والتأمل العيني لاستخلاص المعنى (53).
يرى دون إهده ضرورة أن نجد مكاناً لريكور في مخطط النص وأولية الكتابة. لقد دخل ريكور ساحة الجدال مع البنيوية وظهرت نتائج ذلك في كتابه «صراع التأويلات» 1969 وتحت العنوان الفرعي «الهيرمينوطيقا والبنيوية» يردف ريكور سلسلة من الإجراءات التأويليةبين التأويل البنيوي أساساً والتأويل الظاهرياتي، ويتضح من ذلك أن البنيوية ليست منظوراً يولي أهمية للتزامن على التعاقب بل كان يحتل موقع النقيض المقابل للهيرمينوطيقا (54).
وطبقاً لفلسفة ريكور، إذا كانت البنية هامة فإنها تدل عنده فقط على الخطوط التحديدية بدلاً من أن تشير إلى غرض المعنى وثروته (55). ويقرر ريكور أنه ينطلق من النص ليصل عن طريق الدلالة إلى علم دلالة بنيوي وذلك لكي يفسر بطريقة منهجية المعاني المتعددة للرمزية القائمة في كل الكلمات وأشكال الخطاب؛ وبقدر ما تتأصل الرمزية في مضمون اللغة وجوانبها التعبيرية على السواء، وتغدو هذه الرمزية بمثابة السر الحقيقي للغة، لا بد للفلاسفة من إعادة الكشف عنها على نحو متصل كما يقول ريكور في «صراع التأويلات» (56). وكان رد فعل ريكور على البنيوية هو أن يكون أكثر دراية بالمشكلات اللسانية وحاول أن يدمج المنهج البنيوي داخل التأويلية بإقامة رابطة بين مرحلة التفسير الموضوعي ومرحلة الاستحواذ الذاتي.
وهو يؤكد أن هذا الانتقال في داخل الهيرمينوطيقا من اتجاه رومانسي إلى اتجاه أكثر موضوعية هو نتيجة رحلة طويلة داخل البنيوية. يقول: «كان عليّ أن أتخلى عن تعريفي السابق للهيرمينوطيقا بوصفها تأويلاً للغة الرمزية إلى وصل التأويل بمشكلات معينة تطرحها ترجمة المعنى الموضوعي للغة المكتوبة إلى فعل تكلم شخصي سميته «بالاستحواذ» وهكذا يحل السؤال ما الذي يؤول نصاً ما؟ محل ما الذي يؤول اللغة الرمزية؟» (57).