كتاب " المشروع اللبناني الصعب " ، تأليف سليمان تقي الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب المشروع اللبناني الصعب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

المشروع اللبناني الصعب
إدارة الاختلاف بالتسوية
يكاد تاريخ الصراع السياسي في لبنان أن يُختصر بتغيير التوازنات الطائفية في الدولة.
كلما حصل تبدل داخلي في المعطيات السياسية والاجتماعية والديموغرافية، أو تبدل مؤثر في المناخ الخارجي يعزز مكانة جماعة من اللبنانيين، دخلنا في أزمة وطنية تقود في نهاية المطاف الى تسوية. هذه القواعد الذهبية لنظامنا السياسي لا يمكن تجاوزها إلا بتبديل قواعد اللعبة نفسها المتمثلة بالنظام الطائفي.
في الأفق اللبناني أزمة تتفاعل منذ القرار الدولي 1559 وتداعياته. لقد دخلنا مرحلة التدويل في الاقتصاد ثم العدالة ثم الأمن وطبعاً في السياسة من بابها العريض، وتبدل الاستقرار الإقليمي بنزاع مفتوح. كل هذا يقلق الفئات اللبنانية جميعها على مصيرها ومستقبل دورها في ما سيؤول إليه الكيان موقعاً ودوراً وخيارات وطنية، وفي ما سيؤدي إليه الوضع من معادلات ونفوذ داخل السلطة.
من العبث إذاً، أن تنبري جهة من الناس لتشهر سيف الجمهورية والدستور والديموقراطية وأدوات هذه المفاهيم، التي مازلنا غرباء عنها في واقعنا المعيش لا المأمول. نحن في «صيغة» للحكم تعلو على الدستور اسمها «العيش المشترك» ومقتضياته الميثاقية. نحن محكومون من (أولغارشيات طغمة) من نخب الطوائف والمذاهب، تختلف مكوناتها، لكنها تقتطع اللبنانيين كرعايا لمنظوماتها السياسية.في مناخ كهذا يصبح الحديث عن معايير قانونية شكلانية غير مجد في معالجة مشكلات من طبيعة ميثاقية تتصل بإدارة البلاد والخيارات الكبرى. فلا الثلث المعطل، ولا الثلثان المقرّران يصح اعتمادهما في غياب الوفاق الذي يرعى صيغة الحكم هذه.
لقد خبرنا منذ عام 1975 شعارات «السيادة قبل الأمن» و«الأمن قبل الإصلاح والرغيف»، وسوى ذلك من شعارات الدفاع السلبي عن حكم لا يحظى بولاء وطني عريض. وها نحن اليوم أمام تحديات مماثلة ما لم يحلها الحوار الوطني والشراكة الفعلية والعميقة، فإن تصعيد النزاع يقودنا للبحث عن «عقد وطني جديد».
إن مؤسساتنا الدستورية ليست في واقعها الراهن مستقلة عن أشخاصها ورموزها، وهي ليست منبثقة عن إرادة شعبية تعكس تماماً واقع الحياة الوطنية لتكون لها الشرعية والمشروعية النافية لكل طعن، فلا يحق لنا إذاً أن نجعل من آليات عملها حجة قاطعة.
لبنان المنقسم على نفسه، المختلف في توجهات أبنائه، لا يُدار لتحفظ وحدته إلا بالشراكة ومنطق التسوية. والحكومة ليست في هذا أداة توازن سياسي، تقوّي فريقاً وتضعف آخر، بل هي محور إعادة إنتاج وفاق اللبنانيين ووحدتهم الوطنية ومشروع الدولة المعلق حتى الآن.
7/10/2006