كتاب " المشروع اللبناني الصعب " ، تأليف سليمان تقي الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب المشروع اللبناني الصعب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

المشروع اللبناني الصعب
شرعية الحكومةولاشرعية النظام!
الجدل الدائر حول شرعية الحكومة الدستورية مفهوم سياسياً ومفهوم قانونياً، حتى من أصحاب الفتاوى العلماء والفقهاء. فالعلم الدستوري مرتبط بشكل وثيق بالعناصر السياسية والتاريخية والاجتماعية.
الغريب فعلاً هذا الإسراف الديموقراطي بالقول إن الأكثرية يجب أن تحكم والمعارضة أن تعارض، والحديث عن نصاب قانوني لقرارات الحكومة، «لأن لبنان ليس فدرالية طائفية»! ولو صحّ ذلك كانت الحكومة شرعية ودستورية، وكان نظامنا السياسي لاشرعياً ولادستورياً. فمن يعطي الشرعية لتوزيع الرئاسات طائفياً وللمجلس النيابي والقوانين الانتخابية؟
هذه اللعبة الخطرة قد تنجح في تبرير بعض القرارات والمواقف، لكنها تفتح شهية الراغبين في البحث عن توازن طائفي جديد انطلاقاً من قاعدة العدد والأرقام وانسجاماً مع نظريات المدافعين عن شرعية الحكومة.
إن المسائل الدستورية في لبنان أكثر وضوحاً وبساطة مما يتصورها بعض المجتهدين.
من المعروف أن هناك قواعد لتفسير النصوص القانونية، وهي الأعمال التحضيرية والمناقشات البرلمانية والأسباب الموجبة. وبدون هذه الخلفية «التاريخية» التي تعطي النصوص مضامينها الفعلية، يصبح التفسير مفتوحاً على اجتهاد ينطلق من ميزان قوى سياسي أو من رأي تغلب عليه المصلحة بعيداً عن «نيّة المشرع» أو إرادته.
لقد كان الصراع دائراً في لبنان على مبدأ «المشاركة الطائفية» في السلطة التنفيذية. وتوالت المقترحات التي راوحت بين إيجاد مجلس رئاسي تتمثل فيه الطوائف الست الأساسية، أو تتداول الرئاسات، أو إيجاد نيابات رئاسات، إلى غير ذلك من الأفكار التي تؤمن هذه المشاركة والحد من سلطة رئيس الجمهورية اعتراضاً على طائفية الرئاسة لا كرهاً بالنظام الرئاسي نفسه. ولم يتنازل الموارنة عن تلك الصلاحيات إلا لمصلحة حلول ومخارج ابتدعها حكماء الطائف تجعل السلطة التنفيذية في هيئة جماعية هي مجلس الوزراء لسلطة تشارك فيها جميع الطوائف وفق حصص وآليات محددة.
وإذا كان دستور الطائف، كما دستور 1926، لم ينص على توزيع طائفي للسلطات، خجلاً من فقهاء الديموقراطية اللبنانيين، وأملاً في تجاوز النظام الطائفي، إلا أن العرف الدستوري ظل سارياً بقوة ما فوق القانون، وبالمقدمة الدستورية التي أكدت على أولوية «الصيغة» الأثيرة جداً على قلوب زعماء الطوائف جميعهم. وما كان ميثاقاً من مواثيق الشرف غير المكتوب، صار ميثاقاً وطنياً مكتوباً تتوّجه عبارة: «لا شرعية لأي سلطة تناقض ميثاق العيش المشترك».
من الجائز اليوم أن تستشعر القوى السياسية «الضيق» من نظامنا السياسي وقواعده الدستورية «الهجينة»، لكن التجاوز على هذه القواعد نقض للميثاق في أحد مرتكزاته: «الشراكة في الحكم».
ومن أجل الإنصاف يجب أن نعترف بأننا في أزمة نظام يشارك الجميع في دفعها إلى حدود المأزق الوطني. فلا يمكن أن تعالج المشكلات إلا بتطبيق نزيه وأمين للطائف انطلاقاً من قانون انتخاب عادل ينزع الذرائع الأصلية التي تطعن في تكوين جميع المؤسسات الدستورية، الرئاسة والحكومة والبرلمان.
في هذه «المعمعة» ممنوع أن تبقى البلاد في «شبهة الديموقراطية» ديموقراطية العدد أم ديموقراطية التوافق بين الجماعات الطائفية. وسيختار أهل السياسة ما لا يسرّ فقهاء الديموقراطية الجدد. فلا تكثروا من الاجتهادات!
18/11/2006