كتاب " المشروع اللبناني الصعب " ، تأليف سليمان تقي الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب المشروع اللبناني الصعب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

المشروع اللبناني الصعب
الداخل والخارجوالدولة والكيان!
يشكو اللبنانيون من انكشاف الوضع الداخلي على الخارج الإقليمي والدولي. لا يسألون أنفسهم عن سبب ضعفهم هذا. يستدرجون دول العالم، شرقاً وغرباً، لنصرتهم ثم للتوسط في ما بينهم. يخوضون المواجهات، يندمون ويعتذرون. هل يمكن أن نحثهم اليوم على أخذ التجربة من آخرها؟ لا تخوضوا في التسوية من أجل الوصول إلى الحرب. فكّروا تماماً بالحرب، لعلها أخطر فكرة، ثم تعالوا إلى التسوية.
منذ الاستقلال تلعب الصراعات الإقليمية والدولية دور العواصف في لبنان. تهز النظام وتشل الدولة. صحيح أن بعضهم كان يتحفظ عن كيان لبنان، لكن ذلك لم يمنع أن يصير الكيان «نهائياً» والحدود محروسة بعشرات القرارات الدولية في الماضي والحاضر. لا خوف على الكيان، الخوف على وحدته.
عندما اجتاحت الموجة «الناصرية» الشارع العربي، أخذت في لبنان بُعداً آخر. قال الرئيس فؤاد شهاب: «إن الموجة الناصرية خضّت الشارع اللبناني، لأنها عبّرت عن طموحات المسلمين الذين يشعرون بالغبن والحرمان». من هنا انطلقت سياسة الرئيس شهاب في بناء دولة المؤسسات ومعالجة الحرمان «كأساس لبناء الولاء الوطني». سخر الرئيس شهاب من فكرة «اللبننة» التي لا تسبقها طريق ومدرسة إلى «الملحقات والأطراف».
أسقط «الانعزال» الشهابية، ليس دفاعاً عن لبنان، بل دفاعاً عن مصالح الإقطاع السياسي الطائفي المتحالف مع رأس المال. هذا الحلف ينظر إلى لبنان الكبير «مساحة من الأرض وعبئاً من السكان»!
في كل مرة لا تجد فئة لبنانية في الدولة حاضنة لها، تنزع إلى خارج الحدود، وحيثما تكُن «الأم الحنون» تكُن «الهوية».
هذه العلاقة بين الداخل والخارج لم ينجح اللبنانيون في جعلها هماً وطنياً يتشاركون في معالجته، على الرغم من أنهم باتوا جميعاً يتشاركون في مكابدته. وليس الحرمان وحده بالضرورة مصدر الأزمات، بل إن الخوف من سقوط الحماية و«الضمانات» قاد في الماضي، ويمكن أن يقود اليوم بعض المغامرات. كل توتر طائفي في جماعة يقود إلى توترات، وكل عيب في الرضا يفسد العقود والعهود.
أزمة لبنان اليوم في مكوناته جميعها، لا في موضع واحد. هكذا يستدعي الداخل الخارج ويحتويه، كأنه هو هو، والأمر ليس كذلك. والكل يريد الفوز بلبنان لا أن يلغيه. فإذا ما أُنصف الناس جميعهم تسالموا وأقبلوا على مشروع الدولة بالقلب واللسان.
لقد دخل لبنان في فوضى عارمة، لأن الدستور لم يعد دستوراً، والدولة لم تكن دولة. ومن دواعي معالجة الأزمات البحث عن أدواتها. وليس ما يجمع إلا القواعد العامة التي تواطأ البشر على صياغتها في قوانين ودساتير. قد تنفجر الأزمة غداً أو تنفرج، لكن النظام الديموقراطي «اللاديموقراطي» لم يعد صالحاً لاحتواء الأزمات وحلها داخل المؤسسات لمنعها من ركوب الشارع. أما الحل فهو في تسوية مدارها العودة إلى «الكتاب»، أي الدستور والطائف وتجسيد «المقدمة»: لبنان جمهوري، ديموقراطي، برلماني، ونحو إلغاء الطائفية. ولأن لبنان ملتزم ميثاق الأمم المتحدة وشرعة حقوق الإنسان، علينا أن نضيف، ومكافحة العنصرية.
23/12/2006