كتاب " المشروع اللبناني الصعب " ، تأليف سليمان تقي الدين ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب المشروع اللبناني الصعب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

المشروع اللبناني الصعب
جماهير وطوائف!
التفاؤل الذي تُبديه المعارضة بقدرتها على إسقاط الحكومة وإنجاز التحول السياسي المطلوب خلال أيام، لا ينسجم مع توصيفها لطبيعة السلطة وقواها والجهات الدولية التي تقف وراءها. مثلما أنَّ السلطة تبدي تفاؤلاً مفرطاً بقدرتها على الاحتفاظ بموقعها وهي تواجه ما تصفه بالانقلاب المدبّر من قوى اقليمية تبالغ في تأثيرها على السياسة اللبنانية. وخلافاً لمنطق الفريقين المستخدم في التعبئة السياسية، فإن جمهور البلاد منقسم على حد السكين، ولدى كل فريق عصب شعبي وطائفي ومكان جغرافي فسيح يلوذ به ويعتصم. هذا التوازن الصعب للقوى المحلية في امتداد توازن اقليمي ودولي لم يُحسَم بعد، يجعل من معركة التغيير في لبنان أقرب إلى مأزق حقيقي. فإذا كان التفاوض السياسي الذي ارتدى طابع الحوار والتشاور، لم يؤد الى توافق سياسي عنوانه تحقيق الشراكة، فإن استعراض القوى في الشارع بالوسائل الديموقراطية والسلمية عن طريق التظاهر والاعتصام وحتى العصيان المدني، واقناع الطرف الآخر بالتخلي عن امتيازات السلطة حفاظاً على مشروعه السياسي الذي يستمد زخمه من مقاومة «الوصاية السورية»، لن يكون سهلاً. إنَّ فريق الأكثرية النيابية يقبض على صلاحيات يعتبرها دستورية، ويستقوي بالقانون «الديموقراطي» ليرفض مطالب فريق الأكثرية الشعبية الذي يطالب باحترام الاعتبارات «الميثاقية». لكن الفعلي في الأمر أن البلاد لا تحكم من دون شراكة بين المجموعات الطائفية، كما لا يمكن أن تدار في ظل التعطيل المتبادل الناتج عن طبيعة الانقسام الوطني، وليس فقط من خلال علاقات المؤسسات وآليات عملها. فالميثاقية في النظام اللبناني هي انعكاس لخيارات سياسية كبرى تلتقي مع التوزيع الطائفي وليس العكس.
من البديهي أن يقف رئيس الحكومة مدافعاً عن شرعية حكومته وسياساتها، ويرفض التنحّي باسم الأكثرية البرلمانية، لكن من غير المعقول أن يصف المعارضة بما تمثل من مكونات البلاد بالانقلابية والخارجة على القانون والوطن. يتداعى إلى الذاكرة فوراً بيان رئيس الحكومة الأسبق رشيد الصلح عام 1975 وهو يتهم الكتائب آنذاك بما اتهمها به، ولو أن الرئيس فؤاد السنيورة قال ما قال في جلسة برلمانية لكان تعرّض لما تعرّض له الرئيس الصلح آنذاك من ردة فعل. لكن فارق الأحداث أنَّ رشيد الصلح كان يمثل القوى التي تريد المشاركة والتغيير، بينما يمثل الرئيس السنيورة الفريق الذي يريد الحفاظ على توازنات السلطة الحالية من دون مشاركة من فريق المعارضة.
قد يكون هذا التشبيه غير مطابق تماماً للواقع، فالتاريخ يعيد نفسه مرة كمأساة ومرة كمهزلة، لكن الشعب اللبناني «العنيد» يكرر صراعاته الأهلية حين يتغافل عن قوانين الصراع. فهل يحق لهذا الجيل الذي يعرف أن اللبنانيين ليسوا مجرد مواطنين تنطبق عليهم «حيلة» الديموقراطية، بل هم مجموعات طائفية ذات طبيعة جماهيرية، وانهم مستقطبون إلى خيارات سياسية أشبه بالأوهام الكبرى والأساطير منها إلى البرامج «الذكية» التي تتحدث عن نمط حياة «فرح» مقابل نمط حياة نضالي «متقشف». وهذا الاستقطاب ليس من طبائع الجماعات، فلا الليبرالية الحداثية التي يبشر بها رئيس الحكومة وصحبه هي التي تجذب سُنة عكار والضنية وطرابلس والطريق الجديدة واقليم الخروب، ولا الكربلائية التي يمثلها زعيم المعارضة الأول، هي التي تجذب زغرتا وكسروان والمتن وبعض الشوف وزحلة. ثمة ما هو أبعد بكثير يحرك هذه الجماهير في خطوط المواجهة بين السلطة والمعارضة، حيث تتكون قوى جاهيرية للمشروع الأميركي في المنطقة كما لنقيض هذا المشروع.
إن مطلب المشاركة في إدارة شؤون البلاد هو محور القضية، الأمر الذي لا مفر من الاقرار به طريقاً لصون وحدة البلاد واستقلالها. ولن تبدّل أشكال المواجهة المختلفة الحقيقة الثابتة التي تقضي بأن يعود الجميع إلى منطق التفاوض وصولاً إلى التسوية.
2/12/2006