كتاب " غاستون باشلار - نحو نظرية في الأدب " ، تأليف سعيد بوخليط ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب غاستون باشلار - نحو نظرية في الأدب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
غاستون باشلار - نحو نظرية في الأدب
هذا الشمباني، يستطيع من جهة أخرى، أن يعكس على ذاته طيبوبته المتهكمة. غالبا فإن الفيلسوف يسخر برقة من الحالم، والأستاذ يبدي رأيه في العاشق المتلهف للصور الشعرية، أما العالم فإنه يتظاهر بالغضب ضد صاحب هذه الجملة، والتي لا يتنكر لها أي شاعر، كما نحب وضعها عند كل بدايات القصيدة المعاصرة: "الحلم أكثر قوة من التجربة".
بينه وبين الشعراء، كانت هناك إذن، علاقة مستمرة، تيار مستمر. لكن كم يعطي أكثر مما يأخذ. لقد كان حقا "موصولا" بالقصيدة والشعراء، يحبهما مثل أجمل شجرة في غابتهما. إذا كان باشلار يدين كثيرا للشعراء ـ ويسره أن يردد ذلك كثيراً سواء في كتبه أو رسائله ـ فإن الشعراء سيكونون دائما مدينين له، لأنه يلزمهم بأن يعيدوا قراءة ما كتبوه وبأن يفهموا جيدا صورهم والتي وضعها تحت إضاءة جديدة.
لكن كيف يمكن لمؤلف خمسة عشر كتابا تحمل عناوين مثل:
- L’activité rationaliste de la physique contemporaine.
- La propagation thermique dans les solides.
- Le pluralisme cohérent de la chimie moderne.
أن يصبح أفضل منبع شعري لحقبته؟
في العام 1937، ظهر "التحليل النفسي للنار"، ليست النار "كموضوع علمي" هي التي درست، ولكن الإنسان أمام النار. الإنسان المتأمل أمام موقده حينما "تلمع النار مثل وعي منعزل". فإن باشلار يعرف بأن التجارب الباطنية تتناقض حتما مع التجربة الموضوعية.
"في هذا الكتاب يقول: نصنع أسرارا ونحصي أخطاء. هكذا فإن بيداغوجيا الفكر العلمي ستستفيد بإظهار الإغواءات التي تعمل على تضليل الاستقراءات. ولن يكون مستعصيا أن نعمل ثانية مع الماء والهواء والأرض والملح والخمر والدم ما خططنا له هنا في النار".
نرى منذ الآن، ظهور مخطط العمل المستقبلي للفينومينولوجي. لقد تم رسم الطريق الذي سيلتزم به. لكن هل يتوقع هذا السيل من الصور الشعرية التي ستستهويه؟
فلأن التحليل النفسي يجعله ينقاد وراء حلم يقظته الخاص، يتذكر وهو يتكلم عن النار كعلاج نافذ بامتياز: "الطبيب الحسن والضخم بساعة ذهبية، أتى إلى وسادة الطفل وهدأ بكلمة بارعة أمه القلقة. كان صباح شتاء في بيتنا الفقير، والنار تلمع في موقدها. قدموا لي شراب الطولو (tolu) ، ولعقت الملعقة. أين هي أزمنة الدفء البلسمي تلك، وكذا علاجات النكهات الدافئة"؟.
وهو يتكلم عن حلم اليقظة بجانب النار، فإنه أيضا إلى طفولته يلجأ:
«على أسنان معلاق القدر، يتدلى قدر أسود. وداخل الرماد الساخن يظهر قدر بثلاثة أرجل. جدتي تنفخ بخدود ضخمة في الأنبوب الفولاذي، فتوقد ثانية الشعلة الراقدة. كل شيء يطهى في الآن نفسه: البطاطس للخنازير، ثم البطاطس الرفيعة أكثر للأسرة. بالنسبة لي، بيضة طرية تطهى تحت الرماد، ولا تقاس النار بالساعة الرملية: حينما تتبخر قطرة ماء وفي الغالب قطرة لعاب فوق القشرة، فإن البيضة قد استوت. فوجئت كثيرا حينما قرأت مؤخرا بأن "Denis Papin" يراقب قدره باستعمال أسلوب جدتي. قبل البيضة، يحكم علي بالثريد (Panade) . في اليوم الذي أكون فيه طفلا غاضبا ومضغوطا علي ألقي بملعقة ممتلئة بحسائي على أسنان القدر: «تناول الكراميل! تناول الكراميل!». وعندما أكون ظريفاً، يحملون إلي قالب المزبدات (Le gaufrier) . يسحق بمثلثه نار الأشواك، حمراء مثل سهم دلبوث (Glaïeuls) . وقبل ذلك، فإن قرص عسل كان في وزرتي يحرق الأصابع أكثر من الشفاه. نعم إذن، أتناول النار وأتناول ذهبها، ورائحتها إلى غاية توقدها بينما قرص العسل الحارق يطقطق تحت أسناني. وهكذا دائما، بنوع من لذة الترف، مثل التحلية (Dessert) ، تؤكد النار إنسانيتها. لا تقتصر فقط على الطهي، بل تقضم، وتذهب البسكويتة (La galette) ، إنها تجسد احتفالات الناس. إلى أقصى علو يمكننا الصعود إليه، فإن القيمة التذوقية تسبق القيمة الغذائية. ومن خلال السعادة وليس الحزن، يجد الإنسان عقله. استمالة الفائض تعطي إثارة روحية أكبر من الأخذ بالضروري، فالإنسان خلق للرغبة وليس للحاجة».