كتاب " غاستون باشلار - نحو نظرية في الأدب " ، تأليف سعيد بوخليط ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب غاستون باشلار - نحو نظرية في الأدب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
غاستون باشلار - نحو نظرية في الأدب
لقد رأينا بأن الفيلسوف ينساب من حلم اليقظة إلى التفكير. ذكريات كتلك، ومثل هذه المنعطفات نحو الطفولة، تمتزجان في كل المؤلفات المتعلقة بالعنصر والتي تهمنا: في "التحليل النفسي للنار"، انحصر إذن، باشلار عند استكشاف طبقة نفسية، ربما أقل عمقا لكنها أكثر تعقلنا من تلك التي للحلم، إنها طبقة حلم اليقظة (La rêverie) . «يسيـر الحلـم خطيا، ناسيا طريقه وهو ينساب. يشتغل حلم اليقظة كنجم». وسيعود كثيرا إلى هذا التمييز. تهمه الصور الطوعية حتى ولو كانت مغالية، وكذلك حلم اليقظة الذي يبحث عنه وهو ينظر إلى الشعلة. سيجده أكثر فأكثر في الصور التي يلتقطها من المجموعات الشعرية وكذا المؤلفات النثرية. إنهم في الموعد: إلوار/جورج ساند/هولدرلين/دانونزيو/نوفاليس/توليت/هوفمان/جون بول/فيلوتي أو نيدي/وحتى زولا. إلى جانب خيميائيين ومؤلفين قدماء من القرنين السابع عشر والثامن عشر. لأن التحليل النفسي للنار، مازال كتابا علميا. في المقابل فإن الكتب اللاحقة ستأخذ شيئا فشيئا مظهر مؤلفات شاعر.
وفي الماء والأحلام الذي صدر سنة 1940، ستظهر لأول مرة قاعدة العناصر الأربعة المشهورة والتي لن تقدم فقط لغاستون باشلار خط التوجيه في المتاهة الشعرية، بل ستغير بعمق سلوك مجموعة من الشعراء المعاصرين. «فقط إذا أمكننا دراسة الصور وذلك بإسنادها إلى مادتها الحقيقية، يمكننا تأمل نظرية كاملة للخيال الإنساني، يؤكد باشلار. الصورة نبات يحتاج للأرض والسماء، وكذا للجوهر والشكل. ... نعتقد بأن نظرية للخيال عليها ـ قبل كل شيء ـ دراسة روابط العلة المادية بالعلة الشكلية. هذه المسألة تطرح عند الشاعر وكذا عند النحات...».
«نعتقد بإمكانية تحديد قاعدة للعناصر الأربعة داخل نظام الخيال، والتي تصنـف الخيـالات الماديـة الأربعـة حسـب ارتباطها بالهواء أو النار أو الماء أو الأرض. وإذا كان صحيحا كما نطمح، أن على كل شاعرية الحصول على مكونات الجوهر المادي، فأيضا على هذا التصنيف بواسطة عناصر مادية جوهرية، التحالف بقوة أكبر مع الأنفس الشعرية. ولكي يتواصل حلم يقظة بثبات أكثر حتى يعطي عملا مكتوبا، وحتى لا يكون مجرد استراحة ساعة عابرة، فإنه من الضروري أن يجد مادته، وأن يعطيه عنصر مادي جوهره الخاص وكذا شاعريته النوعية. وليس من أجل لاشيء، جعل الفلاسفة الأولون من هذا المسار اختيارا قطعيا. لقد ربطوا مبادئهم الشكلية بأحد العناصر الأربعة الأساسية، والتي أصبحت سمات للأمزجة الفلسفية. .. قس على ذلك: داخل النظام الفلسفي، لا نقتنع جيدا إلا حينما يستلهم أحلام يقظة جوهرية ويعيد للأفكار سبيلها إلى الأحلام».
نص أساسي يفتح للشعراء طريق المادة ومسار الحلم للعقلانيين، لينتهي بصورة رائعة عن الشاعر. هذا ما أنجزه غاستون باشلار، ولذلك فإننا نعترف له بالجميل. لقد أعاد للأفكار مسلكها للأحلام.
أدرك الشعراء، بأن صورة لكي تستمر عليها التجذر في المادة. وبأن مهمتهم الأولى هي: «أن يرفعوا داخلنا مرساة هذه المادة التي تبتغي الحلم».
يظهر الشاعر/الفيلسوف فصيحا لكي يتكلم عن الماء بعد النار. ليس الماء، يقول: بزينة للمنظر الطبيعي، لا تتسلوا بلعبه السطحية، ولكن ادخلوا إلى عمقه. ستكتشفون حينئذ بأن «الماء نموذج للحميمية، وصورة لقدر جوهري يحول بلا توقف جوهر الكائن: إننا لا نسبح مرتين في النهر نفسه، لأنه قبل ذلك فإن الكائن الإنساني في عمقه له قدر الماء الذي ينساب. ..، الكائن المنقطع للماء يصاب بالدوار، يموت عند كل دقيقة بلا توقف، شيء من جوهره ينساب. الموت اليومي ليس موت النار الغزير والذي يخترق السماء بسهامه: الموت اليومي هو موت الماء. .. حزن الماء لا ينتهي».
لماذا يستعير باشلار أغلب أمثلته من القصيدة؟. يجيب، لأن الأساطير انقرضت في زماننا، فإن «الخيال لا يستضيء إلا بالقصائد التي يوحي بها. دوره هو تشكيل الصور التي تتجاوز الواقع، الذي تمتدحه. يبدع الحياة والفكر الجديدين. وستكون له تجليات إذا نما بأحلام يقظة قبل أن يتهذب بالتجارب. ... هذا الانخراط في اللامرئي يشكل القصيدة الأولى، القصيدة التي تمكننا من أن نحب قدرنا الباطن. تعطينا انطباعا بالشباب والفتوة. وذلك بأن نعيد إليها بلا توقف ملكة أن إدهاشنا. القصيدة الحقيقية وظيفة للإثارة. .. العالم لا يوجد شعريا إلا إذا لم يتم التوقف عن اكتشافه من جديد».
رائع هو كتاب الماء والأحلام : كلوديل/إدغاربو/لافورك/لامارتين/شيلي/مالارميه/سوينبرن/شكسبير/هوغو . ومئات من الشعراء الآخرين كانوا على موعد مع الماء. ثم نجدهم مرة أخرى في "الهواء والأحلام" (1942) إلى جانب: وليام بلاك/دانتي/بودلير/موريس دوغيران/فاليري/ريلكه/نيتشه/غوته، مع آخرين صحبة كتاب النثر: بلزاك/جاكوب بوهم/ديكارت/نوديي/وشوبنهاور.
بالخيال ننطلق تجاه حياة جديدة، يؤكد ثانية. في حين أن الحالم يسير على غير هدى، فإن دور الشاعر الجيد هو أن يجعل من هذا الخيال سفرا. القصيدة الجميلة بمثابة أفيون أو نبيذ، دعوة إلى السفر. وهذا السفر المتخيل يأخذ نقطة انطلاقه من خلال هذا "المرشد الجيد للنفسية المتخيلة": الشيء.