كتاب " غاستون باشلار - نحو نظرية في الأدب " ، تأليف سعيد بوخليط ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب غاستون باشلار - نحو نظرية في الأدب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
غاستون باشلار - نحو نظرية في الأدب
«كل شيء متأمل، وكل اسم كبير يتم همسه هو بداية حلم وكذا مقطع شعري، إنه حركة لسانية مبدعة. كم من مرة، عند حافة الآبار على الصخرة القديمة المغطاة بالحماض البري والسرخس، همست باسم المياه البعيدة، إسم العالم المتواري. وكم من مرة أجابني العالم بغثة. .. آه أشيائي، كم تكلمنا!».
وفي كتاب حديث أكثر، سيسترجع هذا الثناء:
«وردة، فاكهة شيء بسيط ومألوف، يسترعون انتباهنا بغثة لكي نفكر فيهم وأن نحلم بهم، بالقرب منهم. وأن نساعدهم على الارتقاء إلى درجة رفيق للإنسان. ما إن يختار الشاعر شيئه، حتى يغير هذا الشيء من وجوده، لقد ارتقى إلى الشعري. أية سعادة إذن، في أن نأخذ الشاعر بالكلمة، وأن نحلم معه ونعتقد فيما يقوله، ونعيش في العالم الذي يقدمه لنا. وذلك بوضع العالم تحت تأثير الشيء، وفاكهة للعالم ثم وردة للعالم».
هكذا فإن عالم نفس "حلم اليقظة" يتعارض مع "علماء النفس، الذي لا يحلمون أبدا". «كيف يمكنهم تأكيد حقائق سيكولوجية للحياة المتخيلة؟ يتساءل. إنهم يخافون من دراسة الحماقات ويتوخون معرفة كيفية تشكيل الصور! يريدون دراسة الواقعية ولا يبالون بالصور الحية التي تفرض الليل على أعيننا المغلقة. .. وعلى القصيدة العثور عليها ثانية باعتبارها ذكريات عن العالم الآخر».
من هو إذن، الفيلسوف الآخر الذي كان محاميا للشعراء؟ حيث يعرف كيف يوجههم ويفكك أجهزتهم وأحيانا إبطال مهاراتهم! مثلما كتب ماكس جاكوب إلى شاعر شاب: "لا تقل كسوة خضراء، قل كسوة عشب". يفسر: «إذا لم تكن السماء الزرقاء بالنسبة للكاتب مجرد موضوع. وكانت موضوعا شعريا فإنها لا يمكن أن تنتعش إلا داخل مجاز. ليس على الشاعر أن يترجم لنا لونا، ولكن أن يجعلنا نحلم بهذا اللون».
فيما يتعلق بالشجرة والريح، كم هي المقاطع الجميلة التي أتت تحت ريشة ذلك الذي حلم فوق الأرض، داخل مفرع جوزة والذي أعلن بأن "الإنسان مثل الشجرة، حيث تأتي قوى مضطربة لتنتصب".
أن تنشد القصيدة أو تقرأ في صمت، فإنها توجد دائما في تبعية للنفس (Souffle) . الإنسان "أنبوب رنان وقصب متكلم". «يحتاج لأن يقول لذاته في صمت وجوده ما يريد أن يصيره، وأن يؤكد ويمتدح صيرورته الخاصة. هنا وظيفة القصيدة الإرادية، والتي يجب أن توضع في علاقة مع صلابة وشجاعة الإنسان الصامت». وها هي الفقرة المناسبة حسب صديقه الكبير "ماكس بيكار"، والمؤيدة لهذه القراءة المنعزلة. هكذا يكتب: «هناك شعراء صامتون، مسكتون (Silenciaires) . شعراء يعملون أولاً، على إسكات عالم جد صاخب وكذا كل الإنقصافات الراعدة. يسمعون هم كذلك ما يكتبونه في الوقت ذاته الذي يكتبون فيه. .. في حين أن آخرين "يعزفون" ما أبدعوه في نفس الصفحة البيضاء. البعض الآخر "ينشدون" في البوق إلقاءات الأبهة. إنهم يتذوقون إيقاع الصفحة الأدبية حيث الفكر يتكلم، وحيث الكلام يفكر. يعرفون قبل التفعيل وقبل الإصغاء، بأن الإيقاع المكتوب أكيد، وبأن الريشة ستتوقف من تلقاء ذاتها أمام تعاقب صائتين (Hiatus) ، وسترفض التجانسات الصوتية غير المفيدة. وهي تتوخى بامتياز تكرار الأصوات أكثر من الأفكار. كم هو عذب إذن، أن تكتب وأنت تزعزع أعماق الأفكار المتأملة!. وكم نحس بأننا قد تخلصنا من أزمنة سخيفة، متقلبة ومبرودة (Salpétrés!) من خلال بطء القصيدة المكتوبة، تجد الأفعال تفاصيل حركيتها الأصلية. يعود لكل فعل، ليس فقط زمن تعبيره، ولكن الوقت المضبوط لحركته. وحين تأتي صفة لتزهر جوهرها، فإن القصيدة المكتوبة والصورة الأدبية، تجعلاننا نعيش بتمهل زمن الإزهرارات. فالقصيدة هي حقا الظاهرة الأولى للصمت المنتبه. كم هو فقير الزمن الحي، لقاء الأوقات التي تبدع داخل القصائد!».
سنة 1945 ظهر العملان المكرسان لتأملات الاستراحة وكذا الإرادة، والتي يوحي بهما عنصر الأرض. وكم سيتواضع الكاتب وهو يواصل اصطياده للصور المتخيلة! إنه لا يطمح إلا لكفاءة واحدة هي القراءة: «إنني لست إلا قارئا ومحبا للقراءة. نقضي الساعات والأيام في القراءة. قراءة متمهلة للكتب سطرا بسطر (يشدد على هذه الكلمات الثلاث)، ونقاوم بشكل أفضل جاذبية التواريخ. .. حتى نكون على يقين مطلق بأننا نقيم في الصور الجديدة التي تجدد الأنماط الأصلية اللاواعية». إنه يكتشف دائماً في عمل الشعراء خاصة "تفجيراته للغة": «تعمل القصيدة على تفريع دلالة كلمة وذلك بإحاطتها بمناخ من الصور.... بين كلمتين تنتظمان تقوم حتمية ما للمجاز. ... في قصيدة أكثر حرية كما هو الحال مع السوريالية، فإن اللغة تكون في منتهى تشعبها. عندئذ فإن القصيدة كتلة من الصور».