كتاب " غاستون باشلار - نحو نظرية في الأدب " ، تأليف سعيد بوخليط ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
قراءة كتاب غاستون باشلار - نحو نظرية في الأدب
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
غاستون باشلار - نحو نظرية في الأدب
الحلم هو المغايرة، لكن بشيء لا يتحقق قدر ما يحل في ذاته. إنه ليس بوهم أو سراب. اللغة هنا، لا تكون وضعية وإيجابية، بل متى كانت كذلك؟. الحلم تعويض عن إحساس نفسي وجودي بالضجر، ورطة الوجود تربك المعادلات. المغايرة وجود ثان، في حيز رقيق جدا أو ما أشرنا إليه أعلاه باللحظة الحرجة. صحيح أننا نبدل الشيء بشيء مثله لأن الحكاية ذاتها واللعبة نفسها، لا نخرج منها إلا بالمواقف الوجودية الكبرى.
ليس الحلم شرا ميتافيزيقيا كما ظل الاعتقاد لمدة طويلة، ولأنه ليس بالهلوسة أو المرض النفسي، فإن جل اللحظات الكيفية، تكون "جنونا" للتاريخ.
أشرنا في مقدمة العمل الأول من سلسلة باشلاريات (1) إلى وجود ثلاثة عوامل شكلت لبنة أساسية في رسم معالم هذا المشروع الفكري وأقصد بذلك:
* اشتغالنا على أطروحة جامعية، تعلق موضوعها بالمكونات المفهومية والنظرية للخطاب النقدي والأدبي عند غاستون باشلار، ارتباطا بالأبعاد الحلمية للعناصر الكوسمولوجية الأربعة: النار/الأرض/الهواء/الماء.
* رغبتنا الشخصية العميقة والحالمة كذلك، في الوقوف على البنية النظرية واللغوية للنصوص التأسيسية الكبرى، التي أسست دعائم الثقافة الإنسانية خاصة في حقل الفلسفة مجال اهتمامي بالدرجة الأولى، ذلك ما اصطلحت عليه سابقا بقاعدة التخصص. مما يعطي قدرة كبيرة للباحث على استنباط المعطيات الموضوعية والذاتية والسياقية والتاريخية... للمتن المدروس. وبالأخص مع فيلسوف إنساني مثل غاستون باشلار. ولاشك أن الإصدارات السنوية لكل من:
- جمعية أصدقاء غاستون باشـلار:
(Association des amis de Gaston Bachelard)
وكــــذا،
- مركـز غاستون باشــلار للأبحـاث فـي المتخيـل والعقلانية: (Centre Gaston Bachelard de recherches sur l’imaginaire et la rationalité)
تكشف عن فريق من الباحثين المتخصصين في فكر باشلار، يشتغلون بلا كلل من أجل مزيد من الإشعاع لتأملات هذا الرجل الكبير في فكره وسلوكياته الشخصية وكذا مواقفه من القضايا العلمية لعصره، وما أحوجنا في زمان الجنون المعقلن والهستيريا التي تؤجج سرطانية أوثان الواحدية والدوغمائية، إلى نفس حالم يرسم للإنسانية في كل لحظة، منافذ الإنفلات الحي والمبدع. ولاشك أن ما يغيب عن الأفق الفكري لثقافتنا العربية هو انتفاء الإحساس بالجدة والفتوة، وتحولنا مع هذا الشعور إلى كائنات مترهلة وشائخة وهرمة، ثم أضحى قيمة إبستمولوجية تسود كل مؤسساتنا من الأسرة إلى المدرسة فالجامعة مرورا بالحزب والمؤسسة الثقافية. علاجية الدرس الباشلاري هنا، هي الأبعاد المعرفية التي أصبحت لشيء اسمه: الخيال. تجربة جديدة تعيد صياغة التصالح بين الفكر والحلم، وتكشف عن الحلقة التي ظلت مفقودة داخل سيرورة المعرفة الإنسانية. الكوجيتو الحالم (Le cogito rêveur) الذي وضعه باشلار في مقابل الكوجيتو المفكر الديكارتي، لا يعني بأي شكل من الأشكال، إقصاء الثاني وسلبه. ولكنه تأكيد من زاوية أخرى عن "لاتاريخية" العقل الديكارتي في لحظة ما، من اشتغال المشروع النظري الذي وضعته الميتافيزيقا الغربية لنفسها. الصدمات التي قد تؤدي إلى شلل في التفكير والقدرة على المبادرة وما ينتج عن ذلك من انهيارات وأمراض نفسية مميتة، تقتضي إعادة الرؤية في جوهر التفكير وهي المهمة التي ظل باشلار يعمل عليها لأكثر من ثلاثين سنة وبكتابات وصلت إلى حدود 22 مؤلفا ابتداء من كتابه "دراسة في المعرفة التقريبية" (1928) إلى "شعلة قنديل" (1961)، سنة واحدة قبل رحيل فيلسوفنا إلى العالم الآخر.
* العامل الثالث، والذي شكل ـ إضافة إلى ما سبق ـ عنصراً حاسماً في بداية الاشتغال على هذه السلسة هو مراكمتنا لكم كثير من النصوص الباشلارية، سواء كتابات الفيلسوف الأصلية، أو تلك التي جاء بها الباحثون بعده، وسواء تلامس أطروحات باشلار أو التطويرات التي عرفتها. كما أن الصدور المنتظم لمجلتي: Cahiers Bulletin ، ومن خلال تجميعهما لعدد من النصوص التي تعكس وجهات نظر مختلفة، نظرا لتعدد الثقافات واللغات التي ينطلق منها الباحثون. فإن ذلك ساهم بشكل كبير في اتساع حجم المتن الباشلاري، وكذلك تضاعف القارئين المحتملين له.