كتاب " سنونوات كابول " ، تأليف ياسمينة خضرا ترجمه إلى العربية محمد ساري ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2007 ، ومما جاء في مقدمة الكتا
أنت هنا
قراءة كتاب سنونوات كابول
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
في أقاصي الدنيا، تبسط زوبعة فستانَها بأذياله المزركشة في رقصة عجيبة مرعبة لساحرة هائجة؛ لم تتمكن هستيرياها حتى من نفض الغبار عن النخلتين المكلّستين المنتصبتين في السماء كما ذراعي معذّب. في حين أن الرمضاء امتصّت نفحات الهواء المفترضة التي يكون الليل، في فوضى انسحابه، قد نسي أخذها معه. ومنذ نهاية الصبيحة، لم يجمع طائر كاسر واحد الحوافز الكافية ليحلق فوق فرائسه. اختفى الرعاة الذين تعوّدوا على دفع قطعانهم الهزيلة إلى غاية سفح التلال. لكن على بعد أميال، وباستثناء الحراس القليلين القابعين بداخل مَراقبهم الهشّة، لا أثر لحياة تذكر. لكن على مدى البصر، يرافق الصمت القاتل هذه القفار التي يبدو أن الآلهة قد تخلّت عنها.
إن الأراضي الأفغانية ليست سوى ساحات للقتال، مُصْطَرعات ومقابر. تتفتّت الصلوات في غضبة شظايا الرصاص. كل مساء، تعوي الذئاب إلى حدّ الموت. والريح، حينما تنتفض، تسلّم شكاوى المتسوّلين إلى نعيق الغربان.
هنا يبدو كل شيء ملتهباً، متحجّراً، صعقته تعويذة مقززة. يكشط الانجراف التربة المنخورة، يزيل رواسبها، ينزع حشوتها، يبلّطها، رافعاً نصبها التذكارية بقوته الهادئة، بلا أدنى عقاب. ثمّ، ودون سابق إخطار، عند سفح الجبال التي نتفتها بغيظ نفحات السعير، تنبثق كابول... أو ما تبقى منها: مدينة في حالة تحلّل متقدّم.
لا شيء سيكون مثل سابق عهده، هذا ما توحي به الطرق المصدّعة، التلال الجرداء، الآفاق الملتهبة وقعقعة الأسلحة. لقد مسّ خراب القلاع الأرواح. دمّر الغبار البساتين، أعمى الأبصار واسْتَغلق الأذهان. في أماكن متفاوتة، يضيف طنين الذباب ونتانة البهائم الميتة للخراب المستفحل بصمة لا تمحى. يبدو أن العالم يتعفن شيئاً فشيئاً، وأن الغنغرينة اختارت هذا المكان لنموها، في منطقة الباشْطون، في حين يواصل التصحّر زحفه الشرس عبر ضمائر الرجال وذهنياتهم.
لا أحد أصبح يؤمن بمعجزة الأمطار، وعجائب الربيع، وبدرجة أقل، بأفجار أيام رحيمة. أصيب الرجال بالجنون؛ أداروا ظهورهم للنهار ليقابلوا الليل. تمّ خلع القديسين المبجلين. مات الأنبياء وصُلبت أشباحهم على جبهات الأطفال...
ورغم ذلك، وُلدت قصتنا هنا أيضاً، في سكوت الحجر وصمت القبور، بين قحْط الأرض وجدْب القلوب، كما يتفجّر نبات النيلوفر في مياه مستنقع آسنة.


