قراءة كتاب غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي

غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي

كتاب " غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي " ، تأليف عبد الجبار عبد الوهاب الجبوري ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 3

الفصل الأول

الاعتدال

اتركوا الإنسان على فطرته ليختاردربه ودينه ووجوده بيده

محمد (ص)

(1)ابن الوقت

يقول علماء القانون إن القانون (ابن الحياة) لأنه لم يكن في نظرهم مفهوماً تجريدياً كما هو في الفكر البرجوازي، وإنما هو يولد وسط الحياة لذلك لا يمكن فهم اصوله بمعزل عن الظروف الاجتماعية والاقتصادية المحيطة به، وهذا ما يؤكده المبدأ الحضاري الاشتراكي لمعنى القانون من كونه (ابن مرحلته). ويقول علماء المتصوفة إن الإنسان (ابن الوقت) لأنه يعيش الحاضر من دون الاهتمام بالماضي أو التفكير في المستقبل وإن (غدا) ليس من شروط الطريق، ويرون أن التفكير في الماضي من الأمور العبثية لأن الماضي أصبح في طيات العدم. فالإنسان الذي يفكر في الماضي كأنه ميت ولذلك ينبغي له إزاحة قضايا الماضي ودفنها. وكذلك الحال بالنسبة إلى المستقبل. فهو عدم أيضاً فلا ينبغي التفكير فيه بل يجب أداء حق الحاضر والعمل بمقتضيات الوقت الحالي كمن يعيش فصل الصيف فيهيئ مستلزماته.

وفي المفهوم السياسي يعني (ابن الوقت) الشخص الانتهازي المتلون الذي يقال أنه في (حزب الرياح) لا أصل له ولا أساس، وهذا المعنى يعكس قيمة سلبية في حركة الإنسان وخصوصاً في الميدان السياسي لأنه يعتبر من أهم الأخطار التي تتعرض لها الحركة السياسية، حيث يعرضها إلى الانشقاقات والصراعات السياسية والطائفية والعرقية، مما يؤدي إلى الانحرافات الفردية والجماعية في التنظيمات القائمة، كما يحصل الآن في الحركة السياسية العراقية الناشئة بعد مرور ثمانية أعوام من غزو العراق واحتلاله من قبل القوات الأميركية والدول المتحالفة معها، فابن الوقت هو أحد إفرازات وانشقاقات وصراعات الحركة السياسية المعاصرة.

فابن الوقت هو الانتهازي الذي يحاول اصطياد مصالحه الشخصية وتغيير سلوكه ولونه بما يضمن الحصول عليه من مكاسب ومنافع خاصة من توظيف وسلطة وثروة ومركز وظيفي غير مشروع كما يحصل الآن في العراق. حيث نجد هذا الانتهازي يقدم على اتخاذ عدة قرارات أو مواقف مبدئية متناقضة لا يؤمن بها أساساً لتكريس انتهازيته واقتناص ما يستطيع الحصول عليه من ثراء مادي أو معنوي. لذلك نرى أن هناك مئات من (أبناء الوقت) في أكثرالأحزاب والتيارات السياسية يحاولون البقاء فيها رغم عدم ايمانهم بمبادئها إذا تأكد لهم أن الحصول على المناصب الوظيفية قريب منهم، أو الانسحاب منها إذا لم يتحقق لهم ذلك، وهذا ما حصل فعلاً في مسيرة الحركة السياسية الراهنة بعد الاحتلال في العراق.

فعندما يشعر بعض أعضاء الكتل السياسية بأن كتلته لم تحصل على مناصب في الحكومة أو مجلس النواب، أو أنها غير قادرة على أن تكون القاعدة الأساس في الدولة يعلن انسحابه أو انشقاقه وينضم إلى حزب أو كتلة جديدة أو قائمة أخرى تؤمن له ما يطمح اليه. وعندما لم يحصل هؤلاء الطارئون على العمل السياسي على المكاسب والمنافع، حاولوا خلق المشاكل والانقسامات والتكتلات داخل صفوف الحركة السياسية عن طريق تعميق الخصومات الفردية والعشائرية والطائفية بين المذاهب والقوميات والأقليات المختلفة الأخرى وبذلك تتهدد وحدة الشعب وتتعرض الحركة السياسية إلى الانتكاسات والصراعات التي تتحول إلى العنف والانقلابات العسكرية.

إن ما يحصل في المسيرة السياسية في العراق بعد الاحتلال الاميركي له إنما هو افرازات طارئة من أشكال (أبناء الوقت) الانتهازيين حيث تنامت (الانتهازية الطائفية) بما تقدمه من افكار ومبادئ وطموحات غريبة أمام عنصر المواطنة و(الانتهازية العنصرية) بما تقدمه من تنازلات ومساومات أمام العنصر القومي (والانتهازية الإصلاحية) بما تقدمه من آمال وأحلام أمام المثقفين الثوريين (والانتهازية الدبلوماسية) بما تقدمه من أساليب التضليل و( الانتهازية الوظيفية) بما تقدمه من تنازلات ومديح ومساومات أمام المراكز الوظيفية المترددة لدى كبار السياسة وصغارها.

كل هذه الأشكال من الانتهازية الفردية والجماعية مورست من أجل مصادرة الطاقات البشرية السامية وإصرارها على انتهازيتها والتشبث بمواقعها مما أدى إلى الحاق الضرر بالحركة السياسية شكلاً ومضموناً، وضياع المقاييس الموضوعية وتعطيل الكثير من الطاقات الثورية المناضلة التي تقود الحركات الوطنية والتقدمية.

ولعلاج ظاهرة (ابن الوقت) في أحزاب الرياح أرى أن المرونة السياسية في التكتيك دون التخلي عن المسار الاستراتيجي هي الأساس في طبيعة التعامل السياسي والأيديولوجي، ففي رسالته إلى العمال الأميركيين يقول لينين: "عندما أطلق ضواري الامبريالية الالمانية قواتهم في شباط عام 1918 ضد روسيا العزلاء من السلاح التي كانت قد سرحت جيوشها لم أتردد وقتذاك لحظة واحدة في الاتفاق مع ملكيين فرنسيين"... ويقول: "تصافحنا الملك الفرنسي وأنا وكل منا يعرف جيداً أن زميله مستعد لشنقه بكل طيبة خاطر. ولكن مصالحنا كانت متوافقة موقتاً ضد الضواري الالمان الذين كانوا يهاجموننا". إلّا أن هناك حالات لا تخضع لما يسمى (ابن الوقت) عندما يتخلى فرد أو بعض الافراد عن تنظيماتهم السياسية فيتهمون بالانتهازية والحقيقة خلاف ذلك. فأولئك يتركون العمل السياسي لثقتهم بعدم جدوى العمل الحزبي نتيجة انطباع سيّئ عن الحزب أو الحركة أو التيار السياسي والاقتناع بالانقطاع عن العمل الحزبي والسياسي.

لذا فإن مصطلح (ابن الوقت) لا يطلق كصفة على جميع الخارجين أو المنشقين عن أحزابهم أو منظماتهم الأولى، وإنما يطلق على من يكون انسحابه وخروجه من أجل المنافع والمكاسب والثراء غير المشروع.

وللقضاء على هذه الظاهرة، ينبغي العمل على تطهير الحركات الثورية والتيارات الوطنية من العناصر المترددة، وإحداث التغييرات التقدمية في التكوينات الاجتماعية والاقتصادية التي تعمل بها تلك الحركات، وبناء علاقات وإنماط سلوكية متحررة تقضي على كل أشكال الاستغلال والظلم والتسلط اللاإنساني، وعلى التثقيف والتثقيف الذاتي، وتطويره وإعداد الكوادر المثقفة والمؤسسات الثقافية المختلفة، وتوفير شروط الوعي السياسي وإيجاد التنظيمات السليمة ذات الايديولوجيات الواضحة القوية، التي تمنع المتسللين إلى صفوفها وتعرية الانتهازيين وإخراجهم من نطاق العمل السياسي، وحجب حرية التخريب الاجتماعي والاقتصادي عنهم.

ومتى كانت التنظيمات السياسية متماسكة لم يجد (ابن الوقت) مكاناً له يتنفس فيه.

الصفحات