قراءة كتاب غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي

غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي

كتاب " غليان الأفكار - خواطر وأفكار في الجدل السياسي " ، تأليف عبد الجبار عبد الوهاب الجبوري ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2011 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
الصفحة رقم: 10

(8)التعددية بين ديمقراطية الأحزاب وأحزاب الديمقراطية

أمامي قائمة تصنيف القوى السياسية والشخصيات الموجودة الآن على الساحة العراقية، تمثل التيار القومي العربي، والقوميين المستقلين، والتيار القومي الكردي، والتيار الديمقراطي والتيار الإسلامي (الشيعي والسني) والمجموعة العسكرية، والعشائر العربية والكردية ،وبعض الشخصيات الوطنية وشيوخ العشائر. ونحن لا نستغرب هذه (التعددية) المتمثلة بالأحزاب (الدينية والعلمانية) وإنما نستغرب أمرين أحدهما أن ما حدث في العراق لم يحدث له مثيل في التاريخ القديم والحديث، فانهيار أي نظام حكم لا بد له من بديل يحل محله، والأشد غرابة في الأمر الثاني غياب المنهجية، والتوافق الذي شهدته هذه (التعددية) في وضع مشروع أو ميثاق توليفي يحل محل النظام السابق رغم اجتماعات صلاح الدين ولندن والناصرية وبغداد سابقا والاجتماعات الثنائية والثلاثية والسباعية حالياً.

ما حصل في غزو العراق واحتلاله في التاسع من نيسان 2003 ورغم ظاهرة التنوع السياسي (الخارجي والداخلي) التي تعتبر من مصادر القوة ورفض التسلط والانفرادية السياسية، فإن هذه التعددية فقدت قوتها بين صراع فوضى ديمقراطية الأحزاب وأحزاب الديمقراطية. وبقيت الأحزاب أسيرة هذا الصراع الذي يفور مرة ويخفت أخرى. ولأهمية التعددية رغم هذه الصراعات الساخنة، فإنها تعتبر الأساس في بناء المجتمع الديمقراطي المتحضر الذي يتسم بالتطور الاجتماعي والازدهار الاقتصادي. ولكي يعرف القارئ الكريم أهمية هذه التعددية لا بد له أن يعرف العلاقة الجدلية بين التعددية الحزبية وديمقراطية الأحزاب واحزاب الديمقراطية خصوصاً في مرحلة ما بعد احتلال العراق.

إن الأحزاب السياسية وسيلة من وسائل التطور الاجتماعي والاقتصادي والحضاري حيث أنها تنقل الأفكار المهنية من المستوى التلقائي النظري (الممارسة) إلى مستوى الفهم الموضوعي العملي (التطبيق) لتنظيم العلاقات الخاصة والعامة وفق منطلقات أيديولوجية واضحة لها علاقة بالفرد والمجتمع والأمة، ولم يعرف العالم سابقا الأحزاب السياسية بالمفهوم المعاصر، وإنما كانت هناك نوادٍ ثقافية وجمعيات فكرية ومنتديات أدبية ذات اتجاهات مختلفة تعبر عن الرأي العام الشعبي. غير أن هذه النوادي والجمعيات والمنتديات تحولت إلى حركات وأحزاب تنظيمية في منتصف القرن التاسع عشر، فكانت هناك الأحزاب التقدمية والرجعية والقومية والإقليمية والدينية والاشتراكية والبرجوازية واليسارية ،وأصبح من الضروري أن تتحول التلقائية الحزبية إلى واقعية حزبية تتوافر فيها شروط التكوين التنظيمي ليحتل موقعه في عملية التغيير والبناء وترسيخ أحزاب الديمقراطية، فهل توافرت الموضوعية والضوابط التنظيمية في أحزاب ما بعد احتلال العراق؟

لكي تتوافر الموضوعية والضوابط التنظيمية لكل حزب أو تنظيم يجب أولاً، أن يتوافر لكل حزب دليل نظري (وجود أيديولوجية) يمثل التصور الشامل لأهدافه ومبادئه ويحدد البنية التنظيمية والسياق النظري والتطبيقي له. وثانياً، (الوجود الجماهيري) الذي يعتبر شرطاً رئيساً لوجود ذلك الدليل الذي يحدد الدور الأساس في استيعاب مبادئ تلك النظرية وأهدافها، غير أن هذا الوجود الجماهيري يتحول إلى فوضى واطياف سياسية متناقضة تتفجر من خلالها المصالح الشخصية والتنافس السلبي إذا لم توجد قيادات واعية تتفاعل تفاعلاً جدلياً مع المشاريع والبرامج والمواثيق السياسية التي تطرحها الأحزاب لتحقيق طموحات الشعب.

وثالثاً، (الشكل التنظيمي) الذي ينقل الإطار النظري إلى المضمون التطبيقي، بعيداً عن الأخطار المصلحية والاستفزاز السياسي الحزبي الذي يؤدي إلى رد فعل قوي يقود إلى العدوان على الآخرين، وهذا لا يتم إلّا من خلال التفاعل الجدلي الجاد والإيمان المطلق ببرامج تلك الأحزاب والمنظمات والحركات التي تطالب بحقوق الشعب ومن أهمها حق (الديمقراطية) الذي نادى به كل الكتاب والمفكرين والمثقفين والسياسيين منذ فجر النهضة العربية حتى الآن فما هي الديمقراطية؟ وما هي العلاقة بين ديمقراطية الأحزاب واحزاب الديمقراطية؟

وهل الممارسات التي تقوم بها الأطياف والأحزاب السياسية التي بلغت أكثر من مائة طيف، هي شكل من أشكال التعددية السياسية التي تمد المجتمع بالصحة والعافية، أم هي عامل تعطيل لقدراته وشل حركاته؟

الديمقراطية كلمة يونانية قديمة تتكون من شقين (Demos) أي الشعب، و( Cratuse ) أي الحكم والسلطة، والديمقراطية تعني (حكم الشعب أو السلطة) وللديمقراطية عدة مصطلحات كالديمقراطية السياسية التي تعني تمتع المواطنين بحق الاقتراع السري العام، والديمقراطية الاجتماعية وتعني العدالة وتكافؤ الفرص لجميع المواطنين من دون تفرقة، والديمقراطية الشعبية التي هي امتداد سياسي يطلق على النظم الشيوعية التي قامت بعد الحرب العالمية الثانية كما هو في الاتحاد السوفياتي (سابقاً) والصين وكوريا الشمالية وفيتنام الشمالية مع اختلافات محلية عديدة إضافة إلى المسميات الأخرى كالديمقراطية المباشرة وغير المباشرة وشبه المباشرة. وأيا كان شكل الديمقراطية فهي المذهب الليبرالي والمذهب الاشتراكي.

فأي نوع من الديمقراطية والأحزاب ظهر على الساحة العراقية بعد احتلال العراق؟ ما بعد احتلال العراق ترددت خطابات سياسية غريبة، وشاعت شعارات حزبية مختلفة من شتى الانتماءات الوطنية والقومية والمذهبية تحمل الكثير من الأفكار والتطلعات والهموم والآمال من جهة، ولكنها تعبر عن طموحات يتوهم فيها هذا الطرف بأنه أحق من الطرف الآخر بامتلاك السلطة من جهة أخرى، وتحولت هذه التطلعات والطموحات إلى فوضى في حرية تشكيل الأحزاب وممارسة الديمقراطية، فشاعت ديمقراطية احزاب الاستيلاء على الدوائر العامة ومؤسسات الدولة الرسمية وشبه الرسمية، وإشغال دور المواطنين رغم فتاوى المرجعيات الدينية، لتكون مقراً لهذا الحزب أو تلك المنظمة من دون أن تكون لمعظم هذه الأحزاب والحركات والجمعيات أنظمة أو منهجية واضحة، أو ميثاق مبرمج يحدد الأهداف والمبادئ باستثناء بعض الأحزاب الدينية والعلمانية ذات التاريخ النضالي الطويل، ويطلق على هذه الخطابات والشعارات السياسية والنشاطات التلقائية فوضى حرية (ديمقراطية الأحزاب) ومن مميزات هذا النوع من الديمقراطية ما يلي:-

الصفحات