أنت هنا

قراءة كتاب على قلق

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
على قلق

على قلق

كتاب " على قلق " ، تأليف حسام عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
0
لا توجد اصوات
المؤلف:
الصفحة رقم: 2

بكلمات أخرى، إن سمو أو وضاعة موقع الدستور في نظام ما، هما مرآة لما في النظام المعني من متانة أو تهالك.
ينطبق الوصف ذاته على الصراع الفلسطيني الدائر بشأن تفسير مواد القانون الأساسي الذي يسمح لرئيس السلطة أو يمنعه من حل الحكومة أو إعلان حال الطوارئ وتشكيل حكومة تصريف أعمال. ولعل الخلاف العراقي بشأن قانون النفط الذي يختزن خلاصة أسباب الغزو الأميركي والحرب الأهلية التي أعقبته، ليس في واقع الأمر غير استمرار لما رافق إقرار الدستور العراقي من تجاذب واستقطاب، وما تشهده المدن العراقية من تبادل لرسائل دموية لا يبالي الاحتلال بقطعها طالما أن نصيبه محفوظ من الكعكة.
قد يحجب صراخ المنكوبين والمكلومين وكثافة الغبار والدخان أجزاء مهمة من المشهد العام للأزمة التي تتخبط منطقتنا فيها، فننحاز إلى جانب التبسيط والتفسير التآمري للأحداث والتبرؤ من مسؤولياتنا عن أقدارنا وإيكال رسم مستقبل بلادنا إلى جيوش الاحتلال تنازلها جحافل الانتحاريين. غير أن في ذلك إسقاطاً لدور أساس يتعيّن على الشعوب العربية الاضطلاع به ومستهله إنجاز قراءتها الخاصة لحالتها ولأزماتها ورسمها، بيدها لا بيد سواها، سبل الخروج من وهدة هذه الأزمة التاريخية والحضارية التي تتخبط فيها.
ولكي لا يبقى الكلام في خانة العموميات، دعونا نتفق أن الجزء الأهم من فوضانا الراهنة، أقله في المواضع السابقة الذكر، هو نتاج إخفاقات محلية. يجوز نقاش الدور الخارجي في مفاقمتها وتصعيدها، لكن الأهم أنها تعبير عن فوضى المجتمعات التي تعاني منها في الدرجة الأولى، بمعنى ضياع الفرز بين قوى سياسية واجتماعية لم تعد قادرة على صوغ معاني تعايشها مع بعضها. أما وصول مشروع الدولة الأمة في العراق ولبنان، إلى أزمته الراهنة، فهو أمر جدير بالتوقف عنده هنيهات، بعد تنحية النموذج الفلسطيني بسبب خصوصيته النابعة من انعدام تجربة نشوء كيان سياسي مستقل في أعقاب الاستعمار المباشر.
لبنان نموذج غني بالدلالات في المجال هذا. ومن دون تعسف كبير، يمكن القول إن الفوضى الدستورية والقانونية فيه تتعمّق كلما تقلص الضبط الذي كانت تمارسه قوى خارجية لحياته السياسية، حتى إذا ما تُرك اللبنانيون لتدبر شؤونهم بأنفسهم، ساروا على غير هدى. وإذا وضعنا سلسلة من الأحداث تبدأ مع استقالة حكومة الرئيس عمر كرامي بعد أسابيع قليلة على اغتيال الرئيس رفيق الحريري، مروراً بالجلسة المجهضة لإقرار قانون انتخابي جديد، وإصابة المجلس الدستوري بالشلل والمخاطر التي بدت قبل فترة أنها في غاية الجدية لقيام حكومتين، ووصولاً إلى بيانات رئاسة الجمهورية بعدم الاعتراف بجميع قرارات الحكومة التي صارت في حكم التقليد بعد كل جلسة لمجلس الوزراء، فليست تستعصي رؤية خط واصل بين الأحداث، قوامه الاختلاف الواضح على المرجعية الشرعية والدستورية وتأويل النصوص التي تتكوّن المرجعية هذه منها.
تشي الحال هذه بأن اللبنانيين يختلفون في المقام الأول على تعريفهم لبلدهم ولمواقع جماعاتهم وأدوارها فيه. وعندها يتضح أن الخلاف الدستوري في لبنان لا تحله المراجع القانونية، بغض النظر عن وجاهة ما تقول به، بل تحله قبل كل شيء التوازنات وعلاقات القوى ببعضها، أي تواضعها على تعريف واسع لأدوارها ولما يحق لها أن تنال من حصص في مغانم الدولة. ومن يتابع الفتاوى الدستورية المتقابلة، يرَ أن الصواب، إذا نظر إليه نظرة مجردة، يجانب هذه الفئة أو تلك، مرة، ويحالفها مرة أخرى.
والدساتير الموضوعة لإدارة حياة سياسية لدول ومجتمعات تتمتع بحد أدنى من الاستقرار، تعاني الأمرين من كثرة التعديلات والانتهاكات في بلاد يخالطها الاضطراب على النحو الذي يخالط فيه بلادنا. عليه، تنحدر قيمة النصوص القانونية، بل جميع النصوص المكتوبة الرامية إلى عقلنة الخطاب السياسي، بالتناسب مع صعود خطاب الجماعة وهويتها وتمسكها بحقوق تراها مهددة من الآخرين.
والأرجح أننا سائرون نحو المزيد من الافتقار إلى نقاط ارتكاز ومساحات مشتركة بين اللبنانيين، يوفر الدستور واحداً من أهمها، كلما اقتربنا من لحظة الانتخابات الرئاسية وهي المفصل في التعرّف إلى الأوزان والأدوار السياسية في نظام لم تعرف عنه نباهة في استيعاب الأخطاء ودرء الأخطار.
17/7/2007

الصفحات