كتاب " على قلق " ، تأليف حسام عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب على قلق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
على قلق
«توافق»
غطت إشاعة التفاؤل بعد جلسة مجلس النواب امس على الحذر السابق للجلسة. عادت بعض الحركة إلى الشوارع التي خلت منها وخف ازدحام السير في محيط المناطق المغلقة للدواعي الامنية.
مبرر التفاؤل هذا، هو الاعتقاد بإمكان استغلال هامش زمني لا يزيد عن الشهر ونيف، للمناورة على أمل التوصل في المدة المذكورة إلى توافق بين الكتلتين النيابيتين الوازنتين.
لكن قراءة ثانية لجلسة يوم امس تعطي صورة مختلفة. لقد علّق اللبنانيون استحقاقهم الرئاسي على مشجب التطورات الاقليمية المنتظرة. وهذه ليست غير حسم الولايات المتحدة وايران وحلفائهما لأمر الحرب أو السلم في ما بينهم. الخياران الكبيران ستكون لكل منهما تداعياته الهائلة على لبنان، ومن باب أولى على الاستحقاق الرئاسي فيه.
تقول الحكمة السائدة إن اللبنانيين قد ينجحون في درء قدر من رياح العاصفة الاقليمية عندما تهب، إذا أفلحوا في اختيار رئيس توافقي للجمهورية. غير أن المصطلح «التوافقي» يتطلب تعريفا، على غرار العبارات المستخدمة في الرطانة اللبنانية. يفترض «بالتوافق» أن يوفر قاعدة سياسية عريضة للرئيس المقبل تعينه على إنجاز مهمات في غاية الصعوبة. فإلى جانب الحد، قدر الامكان، من تأثيرات الصراعات الاقليمية والدولية المتوقعة، يتعين على الرئيس التوافقي أن يقدم جملة من الضمانات الداخلية مرتبط بعضها بالمناخ الاقليمي العام. منها على سبيل المثال، متابعة تشكيل المحكمة الدولية المخصصة للنظر في اغتيال الرئيس رفيق الحريري ورفاقه، وضمان الحضور المسيحي السياسي الفاعل في مؤسسات الدولة من دون أن يشكل ذلك تراجعا عما أقره اتفاق الطائف، والإبقاء على سلاح المقاومة إلى حين التوصل إلى تسوية ما، داخلية وخارجية بشأنه.
ينوء «التوافق» بعبء جدول أعمال من هذا النوع.
لنأخذ مسألة تشكيل المحكمة الدولية نموذجا. إن اعتبار المحكمة مطلبا لبنانيا عاما يكلف رئيس الجمهورية المقبل بمتابعته والإلحاح على تحقيقه، سيضع أي رئيس في حالة مواجهة مباشرة أو غير مباشرة مع سوريا، بما أنها المتهمة بالوقوف وراء الاغتيالات من قبل الاكثرية النيابية، صاحبة الحصة الاكبر من «التوافق».
ينطبق المنطق ذاته على بقية نقاط جدول أعمال الرئيس التوافقي العتيد بما يحول عملياً دون قيامه بأي من مهماته من دون المجازفة بتعريض السلم الأهلي لخطر الانفجار. ولن يكون سهلا، والحال على ما سبقت الاشارة اليه، الحديث عن رئاسة توافقية تلبي حاجات الأكثرية والمعارضة وتحافظ على علاقات لبنان الحيوية مع العالم العربي ابتداء من الجار والشقيق الأقرب، سوريا التي تعاني علاقاتها خللاً فاضحاً مع شقيق عربي آخر يمثل جزءا من الرئة الاقتصادية التي ما زال لبنان يتنفس منها، أي السعودية. بل الأرجح أن الرئاسة ستكون في حالة اختبار دائم لقدرات الرئيس البهلوانية وتخضع لاستفتاء متواصل على شعبيته وتمتعه برضى الفرقاء الذين باتوا على قدر من التوتر بحيث لن تغيب عن أنظارهم أدنى هفوة رئاسية قد تصب في مصلحة الطرف المقابل.
هذه بعض من صفات المرشح «التوافقي» المثالي أو بالاحرى الافتراضي، وهو غير متوفر بطبيعة الحال، بين صفوف المرشحين. وإن توفر فلن يكون في متناوله من الامكانات ما يتيح له تفعيل أي من نقاط برنامجه الذي سهر على حياكته من خرق المواقف المتباينة وعلى تدوير زوايا متناقضاته.
من تحصيل الحاصل القول إن القوى السياسية اختلفت على تقديم تعريف لمصطلح «التوافق». لكن النزاهة تقتضي إقرارا بأن بعض صفات الرئيس التوافقي، عند قوى الطرفين، ليست من التوافقية في شيء.
أين ستصبح كل هذه الاعتبارات والحسابات إذا أفاق اللبنانيون ذات صبيحة على نبأ اندلاع مواجهة إقليمية «من بحر قزوين إلى شواطئ المتوسط»، بحسب العبارة المستخدمة منذ أشهر؟
تشي الانزياحات في مواقف الاطراف اللبنانية منذ حرب تموز حتى اليوم، باستعداد أكبر لالتحاق كل طائفة وجهة سياسية وحزبية بالمعسكر الاقليمي الأقرب إليها. وسيكون من الصعب التحدث عن «توافق» ما، في دعم المقاومة في وجه العدو الإسرائيلي، مثلا، بعد الارتفاع الشديد في وتيرة الفرز الطائفي الذي شهده لبنان في الاشهر القليلة الماضية. فتوافق مثل هذا يستمد نسغه من اعتراف اللبنانيين بحتمية عيشهم معاً، وهذا ما بات في حكم المهدد بالاندثار.
26/9/2007