كتاب " على قلق " ، تأليف حسام عيتاني ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب على قلق
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
على قلق
بين انتصارين
في الذكرى الأولى للحرب الإسرائيلية على لبنان، أظهر اللبنانيون قلة كفاءتهم في مادة التاريخ تاركين دروسا يصح أن تفيدهم في بناء حد أدنى من وحدتهم، تتسرب من بين أصابعهم. وقريبا، يُنتظر أن يحتفل بلدنا بنصر ثانٍ، اذا سارت الأمور من دون مفاجآت كبيرة، هو انتصار الجيش اللبناني على الحرب التي فرضت عليه في نهر البارد.
يتعين النظر بدقة إلى تعبير الانتصار، ليس لاستعادة السجال العقيم حول النتائج التي أسفرت عنها الحرب الإسرائيلية أو حرب تنظيم «فتح الإسلام»، ففي المواجهتين نجاح واضح لطرف وإخفاق مشابه للطرف المقابل، بل لتقييم ما استوعبته القوى السياسية اللبنانية من الحربين.
يقيناً ان حاصل جمع الدروس المستخلصة من المحنتين ليس بكبير. بل تكاد الاجواء التي رافقت وتبعت حرب تموز 2006، تتشابه مع اجواء اجتياح صيف 1982 لناحية وقوف قسم من اللبنانيين موقفا انتظاريا في أحسن الاحوال، ومتواطئا مع العدو في أسوئها، حيال تطورات المعركة. قد تكون مُخَالفة للحقيقة الروايات المنشورة في الايام القليلة الماضية عن الاداء السياسي للحكومة أو لبعض قوى الاكثرية اثناء الحرب، وقد لا تكون، لكن ما لا مجال للشك فيه هو أن الحرب بينت تلك العلة المستفحلة في السياسة اللبنانية والقائمة على أنه لا غضاضة من الاستعانة بالخارج، ايا كان، لتمرير جملة من الاهداف المحلية. ولا مفر من ان يعيد ذلك السلوك إلى الذاكرة مواقف اتخذتها قوى لبنانية بعينها في اقسى ايام الحصار الاسرائيلي على بيروت ضد لبنانيين آخرين.
التأويل السريع للكلام اعلاه سيضعه في خانة توجيه تهم معتادة في القاموس السياسي اللبناني والعربي إلى قوى الرابع عشر من آذار.
لكن، مهلا. المسألة اشد تعقيدا من ذلك. فمن الناحية المقابلة، يتعين القول ان المقاومة فوتت بدورها فرصة كبرى للتعالي على سفاسف السياسات الصغيرة وترهاتها، وزجت نفسها في اوحال المعارك الداخلية لتصل عنقها أو أعلى. قد يحتج محتج بالقول إن المقاومة طُعنت في الظهر وانها قدمت العديد من الاشارات إلى حسن النية حتى عندما كانت ترى الخيانة أو ما يشبهها بالعين المجردة، وإن وضع المقاومة بعد الحرب كان يحتم عليها حماية نفسها في الساحة المحلية لمنع اسرائيل من تحويل اخفاقها العسكري إلى انتصار سياسي.
لعل في هذا كثيرا من الوجاهة، لكن وبرغم ذلك، كان على المقاومة أن تدرس دراسة أعمق خياراتها بعد الحرب: فمن ناحية، مجرد كونها مقاومة يعني تعريفاً أنها مستعدة لتقديم التضحيات في سبيل وطنها. فهل كان في وسع المقاومة أن تتحمل المزيد من الالام والجراح للحيلولة دون بروز الفتنة على النحو الذي يشهده بلدنا منذ اشهر؟ اما من الناحية الثانية، فلم تعلن المقاومة أي تغيير في نهجها المتعلق برؤيتها لوسائل الدفاع عن لبنان. ومن حق اللبنانيين الذين دفعوا ثمنا باهظا في حرب صيف 2006، أن يحظوا بدرجة اعلى من المصارحة من المقاومة اذا كانت هذه تعتبر نفسها معنية بالمواطنين جميعا وليس بابناء طائفة أو معسكر سياسي واحد، مهما اتسعا. ولا ريب في وجود ترابط بين مسألتي السلوك السياسي الداخلي والاستراتيجية المتصورة، غير أن هذا موضوع آخر.
هذا في ما عنى الانتصار السابق، اما اللاحق أو المترقب، فيشكل اختبارا قد لا يقل قسوة وجدية بالنسبة إلى الجيش اللبناني، عن الاختبار الذي خضعت له المقاومة في العام الماضي.
وها هما العنصران اللذان يكونان آلية الدفاع الاهلية والرسمية عن لبنان يتعرضان لامتحانين في الجدارة بالغي الخطورة، ستظل نتائجهما مرافقة للحياة العامة في هذه الانحاء، لاعوام طويلة مقبلة.
واذا كانت المقاومة قد نجحت في الشق العسكري من المواجهة وجاءت نتائج الشق السياسي اكثر تواضعا، فإن الجيش مدعو إلى تحويل أدائه الميداني البطيء إلى عامل جاذب للتأييد العام، على الرغم من الكلفة الفادحة عليه وعلى المدنيين الفلسطينيين واللبنانيين. والظروف التي نشب القتال فيها حول البارد ومن ثم في داخله، على الرغم من بشاعتها، ينبغي الا تُطلق موجة جديدة من العنصرية اللبنانية ضد الفلسطينيين من جهة، والا تنقلب في نهاية المطاف إلى نجاح لمحاولات تقويض مؤسسة مهمة من مؤسسات الدولة.
السمة العامة للكلام هذا تبرره حقيقة بسيطة وهي أن اي جردة حقيقية لدروس الحربين لم تنجز بعد وإن الصراع على معناهما وتوظيفهما، يبدو متجها إلى المزيد من التصعيد.
15/8/2007