كتاب " العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم " ، تأليف د. أيوب أبو دية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم
الفصل الأوّل:من الفلسفة الأيونيّة إلى أرسطو
تقديم
يمكن القول إن البشرية لم تعرف فصلاً حقيقياً بين العلوم الطبيعية والعلوم الماوراء طبيعية إلا في القرن السابع عشر في أوروبا. أخذ العلم، عند ذاك، يحيّد الدين نتيجة الثورة العلمية الكبرى؛ التي سارعت في تقدم العلوم الطبيعية وساهمت في سيطرة الأوروبيين على العالم؛ بفعل صرامة المنهجية العلمية التي وُلدت في تلك الفترة وترعرعت.
أُعلنت الثورة على فيزياء أرسطو مع كوبرنيق عام 1543 وبدأت تتضح معالم المنهجية العلمية بجلاء مع غاليليو، ثم تمخضت عن سن قوانين دقيقة للحركة بواسطة إسحاق نيوتن، ما جعل "السيطرة على قوى الطبيعة" أمراً ممكناً، فوجدنا فرانسيس بيكون يستشرف هذه المقولة مبكراً في نهايات القرن السادس عشر.
سنبدأ بتعريف "الفكر المادي" تعريفاً تاريخياً، انطلاقاً من سؤال فلاسفة أيونيا عن "أصل العالم ". ثمّ سنوضّح كيف ارتدّ الفكر المادّي إلى المثاليّة بفعل تغيّر الظـّروف الموضوعيّة. ثمّ سنبحث في دواعي إحياء الفكر المادّي الإغريقي في عصر النـّهضة الأوروبّيّة، وفي التـّغيّر الـّـذي طرأ على النـّظرة إليه في العصر الحديث، تمهيداً للحديث عن الانقلاب في المنهج البيكوني، والمنهج العلمي بعامّة، نسبة إلى المنهج الأرسطي القروسطي، وكيف دمر العلم الحديث منظومة أرسطو الفكرية بصورة تدرجية فانطلق في القرن السابع عشر تياران: تيار عقلي وآخر تجريبي انتهى التيار التجريبي مع ديفيد هيوم بإنكار المادة والعقل معاً.
ومن شأن هذا الحديث أن يفتح الباب أمام تعريف "الفلسفة الأوروبية الحديثة" وتطورها في القرنين السّابع عشر والثامن عشر، ممثـّـلة بفلسفة كلّ من ديكارت وفرانسيس بيكون، وتوماس هـوبــز وجون لوك وسبينوزا وليبنتز وديفيد هيوم. كذلك، سوف نسعى إلى توضيح فلسفة ذلك العصر، السّياسيّة، وإلى إبراز إنجازاتها وارتباطها بمتطلـّـبات الطـّبقات الصّاعدة، الـّـتي عكست تعاظم نفوذ التـّجارة وتراكم الثـّروة، وفي ارتباطها بالمنهجيّة العلميّة الحديثة التي بدأت تشقّ طريقها آنذاك، في علائقها بالتـّغيرات الاجتماعيّة-السّياسيّة المتسارعة والدامية في الكثير من الأحيان.
الفكر الأيوني
نبدأ بحثنا بالتـّحقـّـق من"مادّيّة الفكر الأيوني" الـّـذي تأثـّر به الفكر الأوروبي، ومن أهمّيّة سؤال أيونيا عن أصل العالم، ومن أهمّيّة البحث عن الظـّروف الموضوعيّة العامّة الـّـتي أنتجت الإشكاليّة الفكريّة آنذاك. إذ أن الجهل بذلك يَحوْل دون وقوفنا عند حدود إشكاليّتهم، وعند طبيعة الأسئلة التي كانوا قادرين على طرحها! فمن المستحيل بلوغ أجوبة صحيحة لأسئلة لم يجرِ تشكلها بعد.
لا ريب في أنّ الطـّبيعة لفتت انتباه الرّجل الإغريقي الحرّ. فهل استدعت معرفته بالطـّبيعة تقدّم البناء العقلي، وهل كانت حُرّيّة الإغريق سبباً كافياً لنمّو العلوم العقليّة والفلسفيّة؟
لم يكن التـّطوّر العقلي، الرّياضي والفلسفي، من نصيب كل الإغريق، فإسبارطة (Sparta) ، مثلاً، مدينة إغريقيّة، ولكنـّـها لم تنتج علماً أو فلسفة، لماذا؟ قد يتمثـّـل السّبب في أنّ نظامها السّياسي كان أشبه بالنـّـظام السّياسي الآسيوي، فلم يكن مواطنوها أحراراً على غرار أيونيا(Ionia) وأثينا (Athens) فيما بعد. كما كانت إسبارطة تستمدّ الدّعم المادّي من فارس (1).
ولكنْ، لماذا كانت الانطلاقة الفلسفيّة المادّيّة من أيونيا بالذّات؟ فربّما تكون قد انطلقت من مكان آخر، ولكنـّها لم تنضج فيه. وربّما لم يكن هناك طبقات أو فئات قادرة على تَبنـّي هذه الفلسفة!