كتاب " العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم " ، تأليف د. أيوب أبو دية ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2009 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:
أنت هنا
قراءة كتاب العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم
تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"
العلم والفلسفة الأوروبية الحديثة من موبرنيق إلى هيوم
* الحركة، من جهة مقولة "الجوهر"، هي حركة التغير أو حركة الكون والفساد (أن يكون الشيء أو يفسد)، وتتم بين نقيضين، وتتعلق بالصفات الذاتية للأشياء حيث يحل موجود محل آخر.
* حركة الزيادة والنقصان، من جهة مقولة "الكم".
* حركة الاستحالة، وتتعلق بالصفات العرضية، من جهة مقولة "الكيف".
* حركة النقلة، من جهة مقولة "المكان".
تفترض الحركة موضوعاً وعلة وطرفين، لذلك فإن الحركة تعني التغير من حال الهيولي إلى الصورة، حيث تخرج الصورة وتتحقق واقعياً بعد أن كانت صورة بالقوة. فمثلاً، إن الفتيات السليمات هن أمهات بالقوة، وعندما ينجبن يصبحن أمهات بالفعل.
فالحركة هي التغير من حال القوة إلى الفعل، وتحتاج إلى العلل الأربع لتحقيق ذلك، وهي العلة "الصورية" والعلة "المادية" والعلة "الغائية" والعلة "الفاعلة".
فعندما يضع المهندس مخططاً في ذهنه لبناء منزل ما؛ تتشكل في ذهنه العلة الصورية، أي ماهية البناء وشكله ومجموع خصائصه، أي تتشكل صورة البيت في ذهنه، وعندما يشرع المهندس ببنائه بمساعدة العمال والفنيين تكون العلة الفاعلة، أما العلة المادية فهي المواد المستخدمة في البناء، في حين تكون العلة الغائية متمثلة في الغاية التي من أجلها قام هذا البناء، من حيث استخداماته للسكن، مثلاً، وبهذا تكتمل فكرة البناء وتتحقق عيانياً بفعل العلل الأربع، وتخرج فكرة البناء من حال القوة إلى حال الفعل؛ فتصبح الصورة بناءً فعلياً عيانياً متحققاً.
كما قال أرسطو بالعناصر الأربعة التي تتألف منها المادة وتشكل أساس العلل الأربع التي تحكمها (الصورية والمادية والغائية والفاعلة) ، إذ تتألف المادة من عنصر أو من خليط من العناصر الأربعة (التراب، الماء، الهواء، النار) بنسب مختلفة بحيث تشكل سائر الأشياء المادية في الكون، وتكون خاضعة لكيفيات أربع متضادة (الحرارة والبرودة واليباس والرطوبة).
والمادة متراصة في الكون وفق ثقلها، فالتراب هو أثقلها، لذلك تتراص مادة الأرض الثقيلة في الموقع الأسفل وتشكل مركز الكون، حيث تقع الكرة الأرضية (عالمنا الأرضي).
وعندما يسقط الحجر إلى الأرض يسقط بفعل حركته العشقية صوب أمه الأرض، فهو يتسارع باقترابه من مركز الأرض لأن الأرض هي مكانه الطبيعي. ويلي التراب في الثقل الماء، ثم الهواء، وأخيراً النار التي تصعد إلى أعلى في حركة عشقية صوب الأثير الخالد الواقع فوق فلك القمر، حيث يكون القمر هو أول جسم خالد يدور حول الأرض.
ولما كانت المادة متراصة في الكون، وكذلك الأفلاك مرتبطة ببعضها البعض ومتراصة في مجالها المليء بالأثير، فلا مجال لوجود الخلاء. وبناء على هذا الافتراض أسس أرسطو قوانينه في الحركات الأرضية بحيث غدت سرعة الجسم الساقط تتناسب طردياً مع ثقل الجسم (25)، بينما يتناسب عكسياً مع مقاومة الوسط، وفق المعادلة الآتية:
(V = F / R)
حيث:
V هي سرعة الجسم
F هي ثقل الجسم
R هي مقاومة الوسط
وهكذا أسس أرسطو نظريته في الحركة بناءً على استحالة الخلاء؛ لأن الخلاء يستدعي الحركة بسرعة لا متناهية، وهذا لا يمكن مشاهدته في الطبيعة.
فإذا كان هناك خلاء فإن قيمة (R) تساوي صفراً لعدم وجود مقاومة للوسط (أو احتكاك مع الهواء باللغة العلمية الحديثة)، وعليه تصبح سرعة الجسم لا متناهية، وهذا مستحيل.
ظن أرسطو، نتيجة افتراضه أن الأرض هي مركز الكون وأن العالم الأرضي (عالم الكون والفساد) ينتهي بفلك النجوم، أن الكون محدود، وهكذا قام ببناء منظومة الكون على أساس الافتراضات الأخيرة وغيرها.
فالحركة عند الإغريق ذاتية في المادة، حيث تتحرك الأشياء بطبائعها صوب غاية ما؛ هي سبب وجودها، وهي فكرة قريبة من فكرة الضرورة التي نعرفها اليوم في عالم الطبيعة. فالأشياء المادية، كما هي الحيوانات تتحرك ذاتياً، والزمن هو عدد الحركة، كما عند الكندي وغيره من الفلاسفة العرب، ولكن الفلاسفة المسلمين انبروا لدحض أو تقويض فكرة قِدَم العالم، لأن في ذلك شرك مع صفات الله، باستثناء الرازي الذي قال إن الله لا يستطيع أن يُبدع من عدم؛ وتحدث عن القدماء الخمس (الهيولي، الله، النفس، المكان، الزمان) وهم يوجدون على سبيل الترتيب لا التجاور.
ولكن، ماذا يقول أرسطو لو لم يوجد فكر إنساني ليحصي العدد؟
قال أرسطو إن هناك أشياءً كالأرقام الخالدة تحفظ وجود الحركة وعددها، وخالف بذلك أستاذه أفلاطون الذي قال بخلق الزمن. ولذلك اعتقدت الكنيسة بأن الزمن قديم بتأثير من أرسطو، وذلك ينسجم مع ما جاء في الكتاب المقدس بأن الكون له بداية، بمعنى أن الخلق تم في زمن ما، فيما كانت قبله روح الله ترفرف على وجه العالم.
خلاصة القول إن الحركة هي التغيّر من حال القوة إلى حال الفعل، وتحتاج إلى العلل الأربع، فالأشياء الحيّة تتحرك ذاتياً، كالحيوانات، والأجسام الجامدة تتحرك بطبيعتها حركة مستقيمة، كالحركات الأرضية، أو تتحرك حركة دائرية كحركة الأفلاك الأثيرية الخالدة الواقعة فوق فلك القمر. أما عالم الأرض، أي عالم ما تحت فلك القمر، فهو عالم الكون والفساد، وهو عالم محدود حيث مركزه الأرض ونهايته فلك الأفلاك. والزمن هو عدد الحركة، وحتى لو لم يوجد فكر يحصي هذا الزمن فهناك أشياء خالدة تحفظها، كالأرقام. والزمن قديم وكذلك المادة، كما جاء في الكتاب المقدس، في العهد القديم تحديداً "نظرية الخلق ومملكة السماء".
يتضح من مفهوم أرسطو للحركة أن الحركات الأرضية تسير في خط مستقيم، إمّا عمودياً إلى أعلى، كالنار، أو عمودياً إلى أسفل باتجاه مركز الأرض، حيث موطنها الأصلي الطبيعي المعشوق. والأجسام الطبيعية تتحرك بطبائعها هكذا.