أنت هنا

قراءة كتاب القار

تنويه: تعرض هنا نبذة من اول ١٠ صفحات فقط من الكتاب الالكتروني، لقراءة الكتاب كاملا اضغط على الزر “اشتر الآن"

‏اللغة: العربية
القار

القار

كتاب " القار " ، تأليف علوان السهيمي ، والذي صدر عن دار الفارابي للنشر والتوزيع عام 2012 ، ومما جاء في مقدمة الكتاب:

تقييمك:
5
Average: 5 (1 vote)
الصفحة رقم: 1

أثر القطن

نتعلم من خيبة واحدة ما لا نتعلمه من انتصارات متعددة.

سحر بيّاض

(اليوم الثلاثون)

النهايات التي لا تقدّم نفسها بشكل جيد، لا تستحق الاحترام.

لم أستيقظ من النوم إلا متأخرة. صحوت في تمام الساعة الواحدة ظهراً، وككل أيامي كان سبب تأخر استيقاظي من النوم هو وحشية عبده في الفراش، فلم ننم إلا بعد أن ولجني أربع مرات، في كل مرة أشعر فيها بأنني سأموت ألماً، وقرفاً من رائحة دخانه، فبعد أن سكب كل شهوته في داخلي، دلق على مسامعي سؤاله الأثير ذاك قائلاً:

- هل أنتِ مبسوطة؟

- نعم مبسوطة.

سمع إجابتي تلك ونام بعمق، وشخيره يملأ أرجاء الحجرة، وكأنه كان ينتظر مني جملة كهذه ليدلل بها على فحولته، وينام. تألمت كثيراً حتى أخذني الألم في نوم عميق لم أخرج منه إلا قبل قليل. نمت دون أن أستحم، فقد علّمني عبده هذه الخصلة: أن أنام وأنا عارية دون أن أستحم بعد كل يوم يجامعني فيه، أو لأكن أكثر دقة، فأنا على مدى ثلاثين يوماً عشتها مع عبده لم أكن أنام إلا عارية دون أن أغتسل، ما عدا خمسة أيام كانت أثناء فيضاني.

استيقظت وهو لا يزال يشخر، التقطت منشفتي وردية اللون التي كانت معلّقة في الخزانة بهيبة ووقار، وأخذت أقلب خزانة الملابس التي كانت تملأ شدق الجدار أمامي، تناولت منها بيجاما صفراء كنت أحبها كثيراً، وتناولت معها منشفة رأسي الصغيرة التي تشبه كل التحف التي نراها في زوايا المحلات الفخمة، واتجهت إلى الحمام لأستحم. خرجت منه بعد أن دعكت جسدي كثيراً، وكأنني أتخفف من قذارة ذلك الأسود فوقه، شعرت بعدما أنهيت استحمامي بأنني أحلّق، وأحسست بأنني أخف مما أنا عليه، حينها شعرت بسعادة غامرة. عدت إلى غرفة النوم، التقطت مجفف شعري وذهبت به إلى الصالة، وأدرت جهاز التلفاز، وأخذت أحدق فيه وأنا أعمل على شعري بعناية وجدّية، ولا أدري لماذا كان كل هذا الاهتمام بمظهري في هذا اليوم بالذات؟. كنت أسرّح شعري وأنا أفكر فيما سأقوم به اليوم، كان صوت موسيقى أحد المسلسلات السورية يمتزج مع صوت مجفف الشعر، وعبده يغطّ في نومه في الحجرة المجاورة، وصوت شخيره يرن في رأسي ككابوس.. وقعت عيناي على هاتفي المحمول على الكنبة المجاورة، فتذكرت بأنني تركته البارحة هنا بعدما باغتني عبده، وأنا أمام التلفاز أشاهد فيلماً وثائقياً عن حياة الدلافين.. كان الفيلم يحكي حياة الدلافين بطريقة ممتعة جداً، لأنني منذ أن كنت صغيرة كنت أتوق لمعرفة السبب وراء براءة الدلفين بهذا الشكل؛ فالكائن الذي يرقص كثيراً كائن بريء، لكنه دخل عليّ الصالة وأنا منهمكة في حياة الدلافين هذه، وحملني بين ذراعيه بسرعة كلسعة دبّور، وطار بي إلى غرفة النوم من دون أن يكلف نفسه حتى أن يقول لي مساء الخير، أو يتركني أحوّل نغمة جهازي المحمول على الوضع الصامت على أقل تقدير.

بعدما انتهيت من تجفيف شعري اتجهت إلى غرفة النوم، وتناولت عبوة ماكياجي وذهبت إلى المرآة المعلقة على المغسلة المخصصة لليدين أمام الحمام، ووضعت بعض المساحيق على وجهي، ورسمت شفتي بأحمر شفاه، ووضعت ظلاً على عيني، فبدوت كدمية. فعلت كل ذلك بهدوء لكي لا يصحو من نومه، فقد كنت أبغض كثيراً أن يشاركني عبده قهوتي حينما أستيقظ من النوم، أعدت عبوة الماكياج في مكانها على التسريحة، وذهبت إلى المطبخ الذي كان مرتباً ترتيباً يليق بامرأة حسناء مثلي، فأنا حين أقول امرأة حسناء فإنني أفترض أن ينطبع الحُسن على كل الأشياء حول المرأة الجميلة: حجرتها، ملابسها، بيتها، مطبخها؛ فمنذ أن كنت صغيرة لم أعترف بأن الحسن هو حسن المظهر فقط، فقد علمتني أمي بأن المرأة الجميلة هي التي يكون كل ما حولها جميلاً باستمرار.

لم يكن من عادتي حينما أصحو من النوم أن آكل، إنما يحلو لي أن أتناول قهوة مُرّة أجلس بعدها قرابة الساعة، ثم أعود وأصنع لي ما آكله، لذلك وضعت (كنكة) الماء على النار، وذهبت إلى الصالة لأشاهد التلفاز فيما الماء يسخن. كان التلفاز يبث إعادة لحلقة مسلسل عرض مساء البارحة، التقطت جهاز التحكم وأخذت أحلق في الفضاء. أثناء ذلك وقعت عيناي على هاتفي المحمول الملقى على الكنبة بجانبي، فالتقطته لأنظر إلى الساعة، ففوجئت برسالة قصيرة تتربع شاشته: من سيرسل لي رسالة قصيرة في هذا البلد الذي لا أعرف فيه إلا أصابع يدي؟. فتحت الرسالة، ومن هول ما صُدِمت لم أنتبه فيما بعد للوقت الذي استغرقه الماء وهو يسخن على النار، فقد كانت الرسالة من حبيب حياتي ماهر كتب فيها:

«أهلاً يا قمر، ما هي أخبارك؟ ماذا تفعلين الآن؟ وحشتني كثيراً جداً، أرسل لك هذه الرسالة بعد مضي شهر على زواجك، فأنت لا تعرفين إلى أي مدى أشتاق إليك، لكن تأكدي بأنني سأبقى أحبك إلى أن أموت.. ماهر».

إذن ها هو «ماهر خليل»، لم ينسني كما كنت أظن، فطوال هذا الشهر من زواجي لم أسمع عنه أي خبر، حتى حينما كنت أسأل أختي عنه كانت تقول بأنها لا تعرف عنه شيئاً، وكأنه هاجر من البلاد، أو لحسته السماء؛ كنت موقنة بأن العشاق أكثر الناس هرباً إذا ما تعلق الأمر بفقدانهم لحبيباتهم، لكنني لم أكن أتخيل بأن ماهراً قد نسيني فعلاً، فطوال شهر قضيت أغلبه في السعودية كان معي في كل مكان، حتى أنني كنت أتخيله معي على السرير بدلاً من هذا الأسود، وأحياناً كان يستبد بي خيالي، وأتخيله معي في الحمام يمسح ظهري، ويصب الماء عليّ، ويحتضنني، ونحن تحت صنبور الماء الدافئ نغسل عنا بقايا ليلة حب دافئة، والله من فوقنا يحرس حميميتنا.

الصفحات